في الخطايا الكبرى
إعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطّع – دده، الكورة
سوف نتكلّم هنا عن كلّ أنواع الخطايا لندرك ثقلها وسوء عاقبتها فنهرب منها. كثيرة هي خطايانا، ولكن يمكن حصرها في الخطايا السبع الآتية وهي: الكبرياء، الطمع، الفسق، الغضب، الشراهة، الحسد، التهاون. فمن هذه الخطايا الأصليّة تتفرّع بقيّة الخطايا، وهي أسلحة يحاربنا بها ثلاثة أعداء مميتون، وهؤلاء الأعداء هم الجسد والعالم والشيطان. فالجسد يعثرنا ويرمينا في الفسق والشراهة والكسل. والعالم يجذبنا إلى الطمع والولع في الأمور الدنيويّة. والشيطان يرشقنا بالكبرياء والغضب والحسد. ومن الخطايا السبع تتولّد ستّ أخرى مميتة وليست بأصغر منها، بل ربّما تفوقها وفيها الآن كلامنا.
فالخطيئة السمجة الأولى هي التجديف، أدخله إلى العالم باغض الخيرات. فإنّ المجدِّف هو عدوّ الله لا محالة. قال اغسطينوس المطوَّب: “إنّ خطيئة المجدِّفين الآن على المسيح المالك في السموات لأعظم من خطيئة المجدِّفين الذين صلبوه لمّا كان على الأرض في الجسد”. وهذه الخطيئة ثقيلة ومرذولة من الله. وكثيراً ما عوقب مرتكبوها بنوع مهول حتى في هذه الحياة كما سنرى. وممّا يجب ملاحظته، هو أنّ النساء قلّما يسقطن في هذه الخطيئة في الظاهر، إلاّ أنهنّ يرتكبن أخطاء يماثلنها، لأنهنّ كثيراً ما يعطفن، أثناء المصائب، غضبهنّ على العناية الإلهيّة، وينسبن لها عدم العدل. وإذا مات، مثلاً، قريب محبوب لهنّ، أو إذا افتقدهنّ الله بخسارة عظيمة أو مرض، فبدلاً من الشكر لله على كلّ شيء، يلعنّ اليوم الذي ولدن فيه، ويشتهين الموت بحدّة، ويتذمّرن في الأحزان والشدائد. وكثيراً ما يلعنّ، لعماوة بصيرتهنّ، ذواتهنّ. فهذا كلّه بمثابة التجديف. ولكي تحفظ ذاتك منه تواضع وأحنِ رأسك لدى الشدائد، واقبلها من يد العناية الربّانيّة كترياق فعّال أعدّه لك طبيب ماهر لشفاء علّتك. وتيقّن أنّ الله أرسلها لمنفعة نفسك. وإن نسبت ذلك إلى ظلم من قبل الله، كان ذلك بمثابة جحدك إيّاه. ولا تقل إنّ عظِم المصاب هو الذي يحملك على التجديف، لأنّ هذا الكلام غير مقبول ولا يصدَّق. فلكي لا تستعظم مصابك قابله بأربعة أشياء:
1) بالإنعامات التي نلتها من لدنه تعالى.
2) بالخطايا التي اجترمتها.
3) بالجزاء الذي تستحقّه.
4) بالنعيم الذي ينتظرك.
فإن شكرت الله، ووضعت هذه الأربعة أشياء في ميزان عقلك، وقابلتها مع الأحزان التي تلمّ بك، حينئذ كلّ هذه الأحزان تستبين لك قليلة وخفيفة.
الخطيئة الثانية التي تقارب التجديف هي الحنث أو القسم الكاذب باسم الله أو والدة الإله أو الصليب المقدّس أو القدّيسين. وهذا الإثم هو ضدّ الله. وهو بالطبع أثقل ممّا سواه من الخطايا ضدّ القريب. الحنث أو القسم الكاذب هو خطيئة مميتة لأنّه تطاولٌ على الجلالة الإلهيّة.
والخطيئة الثالثة هي السرقة، وهي أن نختلس أو نغتصب شيئاً غريباً. فطالما لا تردّ هذا الشيء لصاحبه، تكون في حالة الخطيئة المميتة. من ثمّ يجب أن تردّ الشيء المسروق في الحال، ولا تظنّ أنّه يجوز لك التصرّف به أملاً في ردّه بعد حين، بل بالعكس يجب أن تسرع في إرجاعه لصاحبه، وتضيف إليه تعويض خسارته. وإذا لم يمكنك ذلك لعلّة فقر، فلا تبرّئ نفسك، بل صلّ لأجل من ظلمته، حاسباً ذاتك مديوناً له، وإيّاه محسناً إليك، لأنّ أهل الفاقة يجب عليهم أن يصلّوا من أجل المحسنين إليهم كي لا يكونوا غير شكورين.
والخطيئة الرابعة هي مخالفة الوصايا الكنسيّة والقوانين الرسوليّة. فإنّه يجب عليك أن تحفظها، أي يجب عليك أن تذهب أيّام الآحاد والأعياد إلى الكنيسة لاستماع فروض الصلاة كصلاة المساء والسحريّة والقدّاس الإلهيّ. وأن تعترف وتتناول الأسرار الإلهيّة، وتصوم الأصوام الكنسيّة وأيّام الأربعاء والجمعة على مدار السنة ما خلا الاثني عشر يوماً من عيد الميلاد إلى عيد العماد، وأسابيع الفريسيّ والعشّار ومرفع الجبن والفصح والعنصرة. ولاتظنّ أنّ الاستخفاف بصوم الأربعاء والجمعة أمر لا يُعبَأ به. فإنّ القانون التاسع والستّين من قوانين الرسل يقول: “من لا يصوم الصوم الأربعينيّ المقدّس، والأربعاء والجمعة على مدار السنة بدون داعي مرض، إن كان كاهناً فليقطع، وإن علمانيّاً فليفرَز”. فيظهر إذاً أنّ الأربعاء والجمعة هما بمقام الصوم الأربعينيّ. ويقول نيكيفورس بطريرك القسطنطينيّة في قانونه الثامن: “إنّ الكاهن الذي لا يصوم الأربعاء والجمعة لا تُقبل المناولة من يده”. والقدّيس أثناسيوس الكبير يقول: “من يحلّ الأربعاء والجمعة يشترك في صلب المسيح، لأنّ يوم الأربعاء صارت المشورة في صلبه، ويوم الجمعة صُلب”. وكلامنا هذا نوجّهه على الأخصّ نحو الأصحّاء الراشدين، لأنّ الأطفال والمرضى يُسمح لهم عند الضرورة استعمال بعض الأطعمة غير الصياميّة.
أمّا بخصوص الخدمة الإلهيّة فيجب أن تعلم أنّه لا يكفيك الوقوف في الكنيسة بالجسم، بل ينبغي أن تشترك بالصلاة بعقلك ونفسك وتوجّه قلبك وعقلك نحو الأسرار الطاهرة بكلّ ورع متعبّداً لله بخوف ورعدة. ويل لأولئك الجهّال الذين يتحدّثون ويلفظون في الهيكل أقوالاً لا تليق. ويل لمن يغنّون ويرقصون في الأعياد دون أن يشعروا بإثمهم. فيا أيّها المنافقون الأثمة تبعةَ المحالّ الذي تتمّمون مشيئته، أيّ نعمة تنالون من ذلك القدّيس الذي تأتون لزيارته وتقدّمون له النذور إذا كنتم لا تسمعون خدمة عيده كما هو متوجّب عليكم، بل تلبثون خارج الكنيسة متعلّقين بالملاهي واللعب؟ وإذا كنتم أثناء ترنيم المسيحيّين الورعين في الكنيسة مع الكهنة، أو أثناء تسبيحهم الربّ تعيّدون خارج الكنيسة بالرقص والغناء والأعمال الوثنيّة، أفيمكن أن تسمّوا بعد ذلك مسيحيّين؟ فإنّ أعمالكم هذه غير مسيحيّة. ولقد كان الأفضل أن تجلسوا في بيوتكم من أن تذهبوا على هذه الصورة إلى زيارة قدّيس لطلب شفاعته.