“دعوة” زوجة الكاهن للمشاركة في خدمة زوجها
أثاناسيا باباديميتريو
نقتلها إلى العربية بتصرّف أسرة التراث الأرثوذكسي
“دعوة” زوجة الكاهن
في هذا الفصل، تُستخدم كلمة “دعوة” بين علامتي اقتباس لتمييزها عن دعوة الكاهن. “دعوة” زوجة الكاهن ليس لها أساس لاهوتي، ولكن العديد من زوجات الكهنة يشعرن بأن شيئًا ما ألهمَهُن إلى خدمة الله، غالباً في سن مبكر. قد يشعرن بأنهن دائماً على علاقة خاصة مع الله، وأنهن جزء من خطة الله الإلهية لخدمته.
إذا لم يكن للمرأة مثل هذه “الدعوة” لخدمة الله كزوجة كاهن، فإنها تتجنب لقاء ومواعدة طلاب معاه\ اللاهوت، خوفاً من أنها تقع في الحب مع كاهن المستقبل، وأن تواجه دوراً ليست مدعوة إليه “الدعوة“. غالباً الآباء والأمهات لا يشجعون بناتهم على مواعدة طلاب اللاهوت. في مثل يوناني قديم أن الأم تقول لابنتها المقبلَة على الزواج من شاب مقبل على الكهنوت: “يا ابنتي، فكّري جيداً في اختيارك، لأن جبّة الكاهن ثقيلة ليس فقط عليه، بل أيضاً على زوجته“.
صفات زوجة الكاهن
بحسب أميلكا س. أليفيزاتوس، لاهوتية يونانية من القرن العشرين، فإن القوانين القديمة في الكنيسة تطلب من المرأة التي، بنعمة الله، سوف تصبح زوجة كاهن، أن تمتلك فضائل ومواهب روحية. يجب أن تكون زوجة كاهن المستقبل مُحِبَّة، ذات ميل رعائي، لطيفة وصاحبة إيمان عميق ومحبة لله. يجب أن تكون امرأة ذات خُلُقٍ حسن. يجب أن تكون على استعداد للمشاركة والمساهمة في خدمة الكاهن. وكما يقول خريستوذولوس رئيس أساقفة أثينا وكل اليونان، لكي تكون المرأة زوجة كاهن يجب أن تتقبّل ما يلي: البَرَكة، التضحية، الخدمة، والمسؤولية.
تربية زوجات الكهنة
قبل سنوات، لم يكن التعليم متاحاً لزوجة الكاهن أو غيرها من النساء. تقليدياً في الكثير من الثقافات، اعتًبِر الزواج والأمومة كافيين لكي تحقق المرأة ذاتها. أمّا اليوم فقد أصبح التعليم متاحاً للنساء على نطاق أوسع. إلى اليوم، لا يزال الناس في المجتمع والرعية يتوقعون من زوجات الكهنة المتعلمات والعاملات، كما من غيرهن من النساء، أن يسلكن بحسب ما تتطلبه الأدوار والالتزامات التقليدية من الزوجات والأمهات.
يمكن لزوجات الكهنة أداء دورهن في خدمة أزواجهن بشكل أكثر فعالية إذا كنّ أفضل تعليماً. على سبيل المثال، يمكن لزوجات الكهنة استخدام تربيتهن الدينية للاضطلاع بدور رائد في تثقيف الآخرين، وخاصة النساء،حول معتقدات الكنيسة الأرثوذكسية. يمكن لزوجات الكهنة أن يقدمن شهادات على الإيمان الأرثوذكسي في مجموعات الشباب، والتجمعات النسائية، وحرم الجامعات. كما ويمكنهن أيضاً المشاركة والمساهمة في خدمة العلمانيين كمرشدات للشباب ومساعدات.
العديد من النساء، بما في ذلك زوجات الكهنة وطلاب اللاهوت، ينضممن إلى المدارس اللاهوتية بسبب اهتمامهن في معرفة المزيد عن الله، وبالتالي الحصول على شهادات لاهوتية من المعاهد الأرثوذكسية والجامعات الأخرى. بعض زوجات الكهنة تأخذ مقررات في اللاهوت أثناء تواجدهن في حرم جامعي أرثوذكسي، حتى من دون الالتحاق في برامج تؤدّي إلى شهادات. زوجات كهنة أخريات يأخذن مقررات في كليات أو جامعات قريبة منهن.
حتى لو لم يكن لديها الوقت أو المال للالتحاق ببرنامج جامعي أو أخذ دورات لاهوتية في الجامعة أو المعهد، على الأقل، يمكن لزوجة الكاهن حضور فصول التعليم الديني لتكون على دراية بتعاليم الإيمان الأرثوذكسي وممارساته. وأن تعرف ما يكفي للإجابة على الأسئلة الأساسية التي قد يطرحها أبناء الرعية، هو أمر مفيد لخدمة زوجها. يمكنها أن تحيل الأسئلة الصعبة إلى الكاهن أو إلى لاهوتي آخر عند الضرورة، خاصة إذا كان الموضوع مثيراً للجدل.
روابط السر بين الكاهن وزوجته
يتميّز حدثان في حياة زوجة الكاهن: يوم زفافها ويوم سيامة زوجها. هذان الحدثان الكنسيان يشكّلان الروابط السرية بين الكاهن وزوجته.
أولا، مع سر الزواج، الزوجان يعلنان التزامهما الواحد بالآخر مد\ى الحياة. واحد يكمّل الآخر: “غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ.” (1 كور 11:11). كما أنهما يعلنان التزاماً غير مشروط بخدمة الله مدى الحياة. هذا الالتزام يشكل مثلثاً: الله–الزوج–الزوجة.
ثانيا، مع سرّ السيامة، يصير الكاهن مستعداً لخدمة الله. زوجة الكاهن تكون حاضرة لتقاسم خدمته بعد السيامة.
هذه الروابط الأسرارية يمكن أن تساعد الزوجين الإكليريكيين على أن يعبروا الأوقات الصعبة. ولكن في بعض الأحيان، تنسى زوجات الكهنة أنهن متزوجات من كهنة. أو ينسين أنهن تعهدن، أولاً أمام الله وثانيا أمام أزواجهن، بأن يشاركن في خدمة أزواجهن. عندما تصبح الأمور صعبة، تشعر بعض زوجات الكهنة أنه من المستحيل الاستمرار في زواجهن أو المشاركة في خدمة أزواجهن. الأيام الصعبة هي مثل بحر هائج، ولكن المياه العاصفة تهدأ في نهاية المطاف. لأن الله جزء من الرباطات الأسرارية التي بين الكاهن وزوجته، فإن الله يرسل الروح القدس لمنحهما الحكمة والقوة للتغلب على الصعوبات. يجب أن يكونا صبورين وأن يبقيا يبحثان عن الله ليطلبا مساعدته: “قال الرب، لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل، لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذِهِ الْجُمَّيْزَةِ: انْقَلِعِي وَانْغَرِسِي فِي الْبَحْرِ فَتُطِيعُكُمْ.” (لوقا 6:17). الله يسمح للأشياء بأن تحدث في حياتنا لأسباب لا يعرفهاإلا هو. كل ما علينا القيام به هو أن نصلي ونقول: “لتكن مشيئتك“.
موافقة زوجة الكاهن على سيامة الكاهن والمشاركة فيها
تلعب زوجة الكاهن دوراً هاماً في سيامة زوجها. أولاً وقبل كل شيء، يجب أن توافق خطياً على أنها مستعدة لسيامة زوجها. كما أنها جسد واحد مع زوجها من خلال سر الزواج، فإنها تشارك روحياً في سيامته…
في لحظة، تمتلئ الكنيسة بصراخ “أكسيوس! أكسيوس! أكسيوس! مستحق! مستحق! مستحق!”. صرخة الزوجة تكون هناك أيضاً، وتظهر موافقتها والتزامها بالله وبزوجها: هي هناك لتكون جزءاً من خدمته…
بعد سيامته، يمكن للكاهن أن يقيم القداس الإلهي. أن تتناول الزوجة من يد زوجها في أول قداس له، فيه الكثير من الفرح والبركة. إن الله يشرّفها بدعوته إياها لتكون زوجة كاهن. يا لها من نعمة! وحدهن النساء اللواتي مررن بهذه التجربة يمكنهن فهم هذا الشعور الخاص والاكتفاء.
وكما ذكرنا سابقاً، فإن الكاهن وزوجته مُباركان بشكل مضاعف بسرَّي الزواج والكهنوت. ومن لحظة السيامة هما ملتزمان معا. زوجة الكاهن هي “جزء من جبّة الكاهن” كصياغة جديدة للمثل اليوناني. من ذلك الحين، تبدأ الرحلة الروحية الصعبة. يجب على الكاهن وزوجته أن يكونا مستعدين لدعم أحدهما الآخر والسير جنباً إلى جنب على الطريق الضيق، فيما يقودهما الروح القدس.
القديس كيرللس، قديس من القرن الثاني، يصور المائدة الإفخارستية في أيقونة. يد رجل تمتد إلى الخبز، وامرأة تقف وتصلّي. إنّهما يمثّلان المسيح والكنيسة. يمكن أن ترمز هذه الصورة إلى كاهن متزوج وزوجته. مع الحب العميق لله ولبعضهما البعض، يتقاسم الاثنان المسؤولية الهامة لخدمة الله و شعبه.
الكهنة أصحاب الدعوة المتأخرة والمهتدين
تواجه بعض النساء تحديات خاصة في قرار تقاسم خدمة أزواجهن. في بعض الحالات، قد يكون الأزواج اختاروا الكهنوت في وقت لاحق من الحياة. تواجه تلك النساء تغيرات عاطفية كبيرة في حياتهن الزوجية والعائلية، وربما تغييرات في حياتهن المهنية تؤثر عليهن مالياً. وفي حالات أخرى، قد تكون النساء اللواتي اعتنقن الإيمان الأرثوذكسي حديثاً متحمّسات بشكل خاص على أن يصبحن زوجات كهنة لأنهن لا يعرفن ما يمكن توقعه في الرعية. مثلاُ، تخشى بعض النساء من مواجهة تحديات اللغة في الرعايا الثنائية اللغة.
في مواجهة هذه التحديات الخاصة، يمكن للأب الروحي توجيههما ومساعدتهما على فهم إرادة الله. يحتاج الزوجان للصلاة معاً لاتخاذ القرار الصحيح في ما يتعلق بسيامة الزوج للكهنوت. بعد اتخاذ قرارهم، يحتاجون للصلاة إلى الله لمنحهم قوة للقيام بهذه الخدمة بفعالية. ليست الخدمة وظيفة يمكن تغييرها. وبمجرد أن يسام الرجل فهو دائماً كاهن.
مستوى التزام زوجة الكاهن بخدمة زوجها
زوجة الكاهن اليوم لديها العديد من الخيارات فيما يتعلق بكمّ الوقت والطاقة اللذين تخصصهما لخدمة زوجها. يمكنها أن تكون أمّاً بدوام كامل أو ربة منزل. يمكن أن تعمل بدوام كامل أو جزئي خارج المنزل. يمكن أن تكون متطوعة في مختلف اللجان والمشاريع الكنسية. إذا كانت مؤهّلة، فبإمكانها أن تشارك في خدمة الرعية. كما يمكنها الجمع بين أكثر من خيار مما سبق.
أولويتها الأولى هي زوجها وأطفالها. العديد من الأمهات يرغبن في البقاء في المنزل مع الأطفال الصغار، إذا لم يرتّب الأمر على الأسرة عبئاً مالياً. إنهن يعطين أطفالهن شعوراً بالأمان. فهذا يعطيهن المزيد من الوقت للقضاء مع أطفالهن، وتعليمهم، والإجابة على أسئلتهم، والأهم من ذلك الصلاة معهم.
قد يكون العمل بدوام كامل خارج المنزل مجزياً. فبالإضافة إلى الدخل الإضافي، قد يكون مكاناً تقوم فيه زوجة الكاهن بعمل ممتع لها. عندما تعمل خارج المنزل، من الواضح أن الوقت المخصص لعائلتها وللرعية هو أقل. من جهة أخرى، عملها يؤثّر على جدول زوجها ومقدار الوقت الذي يمكن أن يقضيه في الرعية، إذ عليه تخصيص وقت أكثر للمشاركة بالمزيد من المسؤوليات الأسرية. إذا كان الناس يعرفون أن زوجة الكاهن تعمل خارج المنزل، فتوقعاتهم حول مستوى التزامها بخدمة الرعية سوف تكون أقلّ. ومع ذلك، من الأفضل الحفاظ على التوازن، دعم زوجها، والحفاظ على وجودها داخل الرعية.
يمكن لزوجة الكاهن أن تقيّم مواهبها ومهاراتها واهتماماتها، وأن تسلك وفقاً لذلك. تستطيع أن تقوم بما يجعلها سعيدة والذي يلائمها بشكل أفضل هي وزوجها. وبغض النظر عن الطريقة التي تختار أن تشارك بخدمة زوجها من خلالها، فمن المهم أن تكون سعيدة بقرارها وأن تتعايش معه.
أسماء زوجات الكهنة
تُعرَف زوجات الكهنة بألقاب مختلفة في كل من التقاليد الأرثوذكسية والكنائس. على الرغم من أن الأسماء مختلفة، إلا إنها جميعاً تعترف بالمكانة الخاصة لزوجة الكاهن في الرعية.
في الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، اسم زوجة الكاهن هو بريسفيتيرا (Presvytera ).يقول قداسة البطريرك المسكوني بارثولوميوس “في تقليدنا الكنسي، زوجة الكاهن تُنادى بريسفيتيرا، النصف الآخر من الكاهن (بريسفيتيروس)”.
تم العثور على لقب بريسفيتيرا في الكتابات المسيحية القديمة، وكان له العديد من الاستخدامات المختلفة. أحد هذه الاستخدامات مناداة الشماسة التي كانت تساعد الكاهن في مهام مختلفة. في الكنيسة الأولى، كانت الشماسة امرأة مسيحية متقدمة في العمر، أرملة بالعادة، قدّمت خدمتها للكنيسة (دياكونيا، وبالتالي الاسم الأكثر شيوعاً هو الشماسة). وتشمل واجباتها المحدودة الحفاظ على النظام في الكنيسة ومساعدة النساء البالغات في لبسهن بعد الخروج من الماء خلال سر المعمودية المقدسة. كانت الشماسة أيضاً تزور النساء المريضات، فضلاً عن النساء المسيحات اللواتي كن ربّات أسر في منازل وثنية.
ومع ذلك، فإن الاستخدام الأكثر شيوعا لهذا الاسم كان لزوجة الكاهن. في الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، الاستخدام الحالي هو بريسفيتيرا. أيضاً في العامية اليونانية تُنادى زوجة الكاهن بإسم باباديا (Papadia)، والتي تأتي من باباس (Papas) أي الكاهن.
في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، تدعى زوجة الكاهن خورية. في الكنيسة الأرثوذكسية الألبانية، وتسمى بريفتيريشيا. في الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية، وتسمى بريوتياسا.
في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، تسمى زوجة الكاهن ماتوشكا، أي “الأم الصغيرة“. إن هذا الاسم مؤثّر ومناسب لزوجة الكاهن التي تحب جميع الناس في الرعية زوجها وتهتم بهم!
بعض زوجات الكهنة لا يرغبن في أن يُنادَينَ بلَقَبِهن، ويصررن على أن تُسمين باسمهنّ. ربما يرغبن في أن يعامَلن مثل أي امرأة أخرى في الرعية. لا بدّ من احترام رغباتهن، مع أن الكثير من الناس يتجاهلون هذا الأمر. بغض النظر عن الجهد الذي تبذله زوجة الكاهن لتقول للناس بمناداتها باسمها الأول؛ فهي تبقى زوجة الكاهن في عيونهم.
بالنسبة لزوجة الكاهن المسام حديثاً، فإن قبول لقبها الجديد يرمز إلى قبولها حياتها الجديدة. حتّى بعد هذا، فسوف يوجد عدد قليل ممن ينادونها باسمها الأول. فمن المضحك مثلاً في اجتماع خوريات (زوجات الكهنة) أن تُنادى سيدة ما بخورية، حيث أن كل السيدات سوف يستدرن مفتكرات أن أحداً يناديهن. هذا مثال على أن هذا الاسم منحوت بعمق في قلب كل زوجة كاهن.
A. Papademetriou. “Presbytera” The Life, Mission, and Service of the Priest’s Wife. Ed. Somerset Hall Press, Boston, Massachusetts, 2004.