عن الحركة المسكونية والدهرية
القديس نيقوﻻ فيليميروفيتش
نقلها إلى العربية اﻷب أنطوان ملكي
إن الدين المسيحي الذي ألهم أعظم الأمور التي امتلكتها أوروبا في كل نقطة من النشاط البشري، قد تدهور من خلال الشعارات الجديدة: الفردية، الليبرالية، المحافظة، القومية، الإمبريالية، والعلمانية، التي في جوهرها لا تعني شيئاً غير اجتثاث مسيحية (dechristianization) المجتمع الأوروبي، أو بعبارة أخرى، إفراغ الحضارة الأوروبية.
الليبرالية، المحافظة، الطقوسية، الحق، القومية، الإمبريالية، القانون، الديمقراطية، الاستبداد، الجمهورية، الاشتراكية، النقد العلمي، وأشياء أخرى مماثلة قد ملأت اللاهوت المسيحي، والخدمة المسيحية، ومنابر المسيحية وكأنّها الإنجيل المسيحي. في الحقيقة، الإنجيل المسيحي مختلف عن كل هذه الأفكار الدنيوية والأشكال الزمنية اختلاف السماء عن الأرض. هدف كلّ هذه الأفكار الدنيوية والأشكال الزمنية أرضي وجسدي، إنه محاولة متشنجة لتحويل التعاسة إلى السعادة من خلال تغيير المؤسسات. على الكنيسة ألاّ تبالي بهذه الأفكار بل أن تشير دائماً نحو فكرتها الرئيسية، والتي تتجسد في المسيح. هذه الفكرة الأساسية لم تعنِ يوماً تغيير الأشياء الخارجية، المؤسسات، بل التغيير الروحي. كل الأفكار المذكورة أعلاه هي مبادئ دهرية لعلاج شرّ العالم، دواء ضعيف للغاية لشفاء أوروبا المريضة، خارج الكنيسة وبدون الكنيسة.
ليست المسيحية متحفاً حيث يتم تعيين كل شيء من البداية، بل هي ورشة عمل لا يهدأ فيها هدير العمل.
في العالم المسيحي، الكنيسة الأرثوذكسية وحدها هي مَن يحمل الإنجيل على أنه الحقيقة المطلقة الوحيدة وهي لا تخضع لروح هذا العصر… إن عندها فهماً مختلفاً لإنجيل المسيح – فالغرب يفهمه كنظرية، أو إحدى النظريات، بينما الشرق يعتبره جهاداً نسكياً (podvig) وممارسة.
يُحكى عن أنّ كل طائفة تحتوي فقط جزءً من العقيدة المسيحية، أمّا الكنيسة الأرثوذكسية فوحدها تحتوي مجمل الايمان الحقيقي ووفرته “الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ“(يهوذا 3). الرجاء بالمسيح يقوم على أساس الإيمان الحقيقي والكامل، لأنه مكتوب: الإيمان أولا، ثم الرجاء ومن ثم المحبة، وإلا فالبيت بلا أساس. وينطبق الشيء نفسه على الايمان بالآخرة الذي ورد في ذلك الإيمان من البداية. وبدون إيمان كهذا، من الصعب مقاربة المسيح بالحق، والمسيح هو الرجاء الكامل، ومثله المسيح الأخروي الذي سوف ينجز التاريخ البشري ويكون القاضي الأبدي. إن اتحاد جميع الكنائس لا يمكن أن يتحقق من خلال تنازلات متبادلة بل فقط عن طريق التزام الجميع بالإيمان الواحد الصحيح في مجمله، كما انتقل إلينا من الرسل وصاغته المجامع المسكونية. وبعبارة أخرى، يتحقق اتحاد الكنائس بعودة جميع المسيحيين في الكنيسة الواحدة غير القابلة للتجزئة التي ينتمي اليها أسلاف جميع المسيحيين في العالم كله خلال القرون العشرة الأولى بعد المسيح. إنه الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة.