ملاحظات حول الإعلان المشترك بين بطريرك روسيا والبابا
الأب جورج مكسيموف
نقلتها إلى العربية جولي عطية
التقى غبطة البطريرك كيريل بالبابا فرنسيس في مطار هافانا بكوبا، نهار السبت في الثالث عشر من شباط 2016، وهو أوّل لقاء بين بطريرك روسي وبابا كاثوليكي عبر التاريخ. في الاجتماع الذي طال انتظاره، ناقش الاثنان عددًا من المسائل التي تواجه المسيحيين اليوم في العالم، والدور الذي يجب أن تؤديه كنائسهم في هذا المضمار. الإعلان المشترك الذي وُقّع من قبل الطرفين يلقي الضوء على مواضيع مهمّة، مثل ممارسة الاضطهاد والتمييز ضدّ المسيحيين في جميع أنحاء العالم، الفقر، احترام الحياة والأسرة، الوضع الكنسي في أوكرانيا، وغيرها من المواضيع. وقد ركّزت الوثيقة على وحدة المسيحيين، فأثارت جدلاً في أوساط الجانبين، وسبق وعلّق البعض عليها. من بين هؤلاء الأب جورج مكسيموف، وهو كاهنٌ مبشّر حيوي لا يكِلّ، خدمَ في العديد من البعثات في جميع أنحاء العالم. وقد كتب على صفحته على فايسبوك تقييمًا متوازنًا حول الوثيقة، مشيرًا إلى نقاط قوتها وضعفها:
في البداية، أودّ أن أتوجّه لمَن يندبون لمجرّد حدوث هذا اللقاء قائلين: “ضاع كل شيء، ضاع كلّ شيء“، وأذكّرهم بأنه لم يَضِع شيءٌ. إنّ القوانين الكنسيّة تمنعنا من الاشتراك في الخدمة مع الهراطقة، والصلاة معهم، وطلب بركتهم، لكنّها لا تحرّم الاجتماع بهم. إذًا لم يتحوّل البطريرك إلى كاثوليكيّ عبر هذا اللقاء.
حول اللقاء
لم يكن بطريركنا مرسَلاً إلى هذا اللقاء من قبل المجمع أو مجلس البطاركة (على حدّ علمي)، إنما كان لقاؤه شخصيًّا. ومن الجيّد أنّ اللقاء لم يتخلّله أيّ نوعٍ من الخدم الليتورجية أو الصلوات المشتركة. يَظهر لنا أنّ البابا استقبل البطريرك كشخصٍ مساوٍ له، إذ لا نرى في الصوَر أنّ البطريرك رضيَ بأيّ خضوعٍ لمنصب البابا.
حول الوثيقة
يمكننا الموافقة على الكثير من الكلام الوارد في الوثيقة، مثل الدفاع عن المضطهدين والمعذّبين في الشرق الأوسط (8-10)، انتقاد الإسلام (13)، رفض التمييز ضدّ المسيحيين في الغرب (15)، دعوة البلدان الغنية إلى مساعدة الفقراء (17)، إدانة المثلية الجنسية (20) والإجهاض (21)، وضرورة حلّ مسألة الانقسام الأوكراني “استنادًا إلى القوانين الكنسية” (27).
إلاّ أنه يوجد أيضًا في هذه الوثيقة تعابير مفروغ منها وخاطئة أحيانًا.
مثلاً: “نأمل أن يساهم لقاؤنا بإعادة هذه الوحدة التي يريدها الله، والتي صلّى من أجلها المسيح… (و) أن يُلهم المسيحيين في جميع أنحاء العالم الصلاة إلى الله… من أجل الوحدة التامة بين أتباعه” (9). إنّ الوحدة تمّت بكمالها في كنيسة المسيح، لذلك نعترف في الدستور بالإيمان بـ“كنيسةٍ واحدة“. خرجتْ جماعاتٌ هرطوقيةٌ ومنشقةٌ من هذه الوحدة مع الكنيسة. ولا يمكن أن يسمّى أعضاء هذه الجماعات بأتباع المسيح، فهُم أتباع مَن يعلّمون تعاليمًا معاكسةً عن المسيح، ومَن أخرجوهم من وحدة الكنيسة.
“ننحني أمام شهادةِ مَن قدّموا، على حساب حياتهم، شهادةً على حقيقة الإنجيل، مفضّلين الموت على إنكار المسيح. نؤمن أنّ هؤلاء الشهداء المعاصرين، الذين ينتمون إلى كنائس مختلفة لكن يتوحّدون في معاناتهم المشتركة، هم عهد وحدة المسيحيين” (12). يمكن لهؤلاء أن يكونوا عهدًا لوحدة المسيحيين فقط عندما نعلن أنّ الاختلافات العقائدية في إيمان كنائسهم عرضيّة. في الواقع، وحدها الوحدة في الحقّ يمكن أن تكون عهدًا لوحدة المسيحيّين، ولا تتحقّق هذه الوحدة عبر طمس الفروقات العقائدية، بل بالتحقيق فيها ورفض ما هو زائف في سبيل ما هو صحيح.
ما يثير الاهتمام هو التصريح بأنّ عمل البعثات “لا يتضمّن أيّ شكلٍ من التبشير” (24). ليس واضحًا معنى ذلك. فمثلاً عندما يتمّ التبشير ضمن عمل البعثات باستعمالِ وسائل غير مناسبة (الإكراه، الرشوة، الخداع)، يمكننا الموافقة على التصريح أعلاه. إلاّ أنّنا قد نفهم من هذه الوثيقة، وبخاصّة من عبارة “أيّ شكل“، بأنه ممنوعٌ بشكلٍ عام إرشاد الكاثوليك إلى الأرثوذكسية، ما هو أمرٌ سخيفٌ بطبيعته. وتتكرّر المسألة في المقطع التالي: “أسلوب “الوحدة” الذي اتُّبع في القرون الماضية، بما يتضمّن من توحيدٍ لجماعةٍ مع أخرى عبر فصلها من كنيستها، ليس الأسلوب المناسب لإعادة الوحدة” (25). لكن إذا تمكنّا من إرشاد جماعةٍ من الكنيسة الكاثوليكية إلى الأرثوذكسية، ستستعيد هذه الجماعة الوحدة مع كنيسة المسيح، وإذا لم يتمّ ذلك، ستبقى هذه الجماعة في حالة انشقاقٍ عن الكنيسة.
“إذًا، يعتمد مستقبل الإنسانية، إلى حدّ بعيد، على قدرتنا في هذه المرحلة الصعبة على الالتزام بروح الحق” (28). لكي نستطيع “الالتزام بروح الحقّ“، نحن والكنيسة الكاثوليكية، من الضروري أن تعترف هذه الكنيسة بالحقّ وتتخلّى عن عقائدها الخاطئة.