أقوال من الآباء: التعليم والشهادة والصداقة
نقلها إلى العربية اﻷب أنطوان ملكي
القديس إكليمندس الإسكندري
+ بمقدار ما تستقي من البئر ماءً يزيد ماؤها صفاءً وعذوبة، بينما إذا أهملت البئر صار كدرًا دنسًا. والسكين أيضاً طالما تستعملها تزيد لمعاناً وإذا تركتها علاها الصدأ. ألا ترى أن النار تزيد بمادة الحريق اضطرامًا وأجيجًا وهذا نفسه نراه أيضا في درس العلوم، فالمدرس يزداد علماً بتدريس غيره. قِسْ على هذا العلم الروحي الإلهي لا سيما ما يقوله الرسول لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين (عب4: 14) فهي تؤثّر من جهتين: على مَن يستخدمها ومن جهة أخرى على مَن تصل إليه، أعني الفاعل والمفعول به، لأن ما تقوله لغيرك تحتاج إليه أنت أيضاً ويشهد بذلك ضميرك الذي يؤنبك قائلاً إنك لم تعمل ما تقوله لغيرك وقد كُتب الويل لمَن يقول ولا يعمل..
القديس الشهيد كبريانوس القرطاجي
+ لا يكون لائقاً بك أن تكون أباً وتكون خائناً إذا لم تهتم بإرشاد أولادك، ولم تهتم بحفظهم في الإيمان والتقوى، أنت يا مَن تحرص على ممتلكاتهم الأرضية أكثر من حرصك على ممتلكاتهم السماوية، فتوصيهم بالشيطان لا بالمسيح، وبذلك تخطئ خطيئتين وترتكب جريمة مزدوجة بأنك لم تمدّ أولادك بمعونة الله أبيهم وتعلّمهم أن يحبوا ممتلكاتهم أكثر من المسيح.
الأحرى بك أن تكون أبا كطوبيا. أوصِ ابنك كما أوصى طوبيا ابنه قائلا “اسمع يا بني لأبيك. اعبد الرب بحق و ابتغِ عمل مرضاته وأوصِ بنيك بعمل العدل والصدقات وأن يذكروا الله و يباركوه كل حين بالحق وبكل طاقاتهم” (طوبيا 14: 10-11) وأنتَ فليكن الله في قلبك جميع أيام حياتك واحذر أن ترضى بالخطيئة وتتعدى وصايا الرب إلهنا. تصدق من مالك ولا تحوّل وجهك عن فقير وحينئذ فوجه الرب لا يُحوّل عنك. كن رحيمًا على قدر طاقتك. أن كان لك كثير فابذل كثيراً وإن كان لك قليل فاجتهد أن تبذل القليل عن نفس طيّبة. فإنك تدخر لك ثوابًا جميلًا إلى يوم الضرورة. لأن الصدقة تنجّي من كل خطيئة ومن الموت ولا تدع النفس تصير إلى الظلمة. احذر لنفسك يا بني من كل زنى… (طو5:4- إلخ).
+ ينبغي على كل شخص أن يهتم بخاصته بالأخص المؤمنين. يقول الرسول في رسالته الأولى إلى تيموثاوس: وإن كان أحد لا يعتني بخاصته، ولاسيّما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان. وهو شرّ من غير المؤمن (1تي 5: 8). وفي نفس الموضوع جاء في أشعياء: أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك (اش58: 7).
+ ليتنا أيها الأخوة الأعزاء نقتدي بهابيل أول الشهداء الذي ذُبح لأجل بره.
+ ميلاد المسيح أيضًا يشهد أولًا استشهاد الأطفال من سن سنتين فما دون من أجل المسيح. فمع أن سنهم لم يكن يتلاءم مع المعركة التي ثارت لينالوا الأكاليل. وذلك لكي يعلن بأن أولئك الذين يستشهدون لأجل المسيح أبرياء. لهم براءة الطفولة في تسليمهم للموت من أجل المسيح.
+ هؤلاء الأطفال أظهروا أن الجميع معرضون لمخاطر الاستشهاد ما دام هؤلاء أصبحوا الشهداء. ولكن كم تكون الخطورة، إن كان أحدنا بكونه خادمًا لا يقبل أن يتألم مع أن سيده قد تألّم أولًا.
+ ابن الله تألّم ليجعلنا أبناء الله، وابن الإنسان (أي نحن) يرفض أن يتألم لكي ما تستمر بنوته لله؟!!
+ إن كنا نتألم بسبب بغضة العالم فقد احتمل يسوع هذا.
إن كنا نحتمل إهانات في العالم أو نفياً أو عذابات فإن خالق العالم وسيده ذاق أمرّ من هذا، لذلك علمنا الرب قائلًا “إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد ابغضني قبلكم. لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته. ولكن لأنكم لستم من العالم لذلك يبغضكم العالم. أذكروا الكلام الذي قلته لكم ليس عبد أعظم من سيده. إن كانوا اضطهدوني فسيضطهدونكم” (18:15-20 ) وما علّمنا إياه ربنا وإلهنا علينا تنفيذه فعلًا حتى لا نصبح كمَن علّم ولم يعمل.
القديس يوسف الراهب
+ الصداقة الناجحة هي التي تهدف إلى خلاص الأصدقاء، أي التي تكون في المسيح يسوع… هذا لا يعني عدم محبّة للآخرين.
+ لهذا السبب نقول بأن ملء النعمة الحقيقية في الصداقة يقدر فقط أن يكون بين الكاملين والمتساوين في الصلاح هؤلاء الذين لهم تفكير متشابه وغرض واحد..
فإن أردتَ أن تحفظ الصداقة غير منكسرة، يجب أن تهتم أولا بالتغلب على أخطائك وإماتة شهواتك، وتنفّذ ما يبهج النبي بغيرة وغرض متحد: “هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الأخوة معاً” (مز133:1) الوحدة تكون في الروح أكثر منها بحسب المكان. إذ ما نفع الوحدة في المسكن إن كان هناك خلاف من جهة الشخصية أو الهدف. وفي نفس الوقت لا يوجد ما يمنع وجودها بين الذين قد تأسوا على صلاح متساو وهم مفترقون من جهة المكان، فبالله تتحد الطبائع وليس بالمكان…
+ إذاً المبدأ الأول للصداقة الحقيقية يقوم على الازدراء بأمور هذا العالم وكل الأشياء التي نملكها.
+ المبدأ الثاني أن يضبط كل إنسان رغباته حتى لا يتصوّر نفسه حكيمًا ومختبرًا مفضلاً آراءه على آراءه قريبه.
+ المبدأ الثالث أن يعرف الإنسان بأن كل الأشياء، حتى ما يبدو مفيدًا وضروريًا، يأتي بعد بركات المحبة والسلام.
+ المبدأ الرابع أن يتحقق بأنه لن يغضب لأي سبب صالح أو طالح.
+ المبدأ الخامس أن يعالج أي غيظ تسلط على أخيه ضده ولو كان بدون سبب بنفس الطريقة التي يعالج بها نفسه، عالمًا بأن الحنق الذي تسلط على أخيه مضرّ له هو أيضاً كما لأخيه أي كما لو كان هو نفسه الغاضب على أخيه نازعًا هذا من عقل أخيه بقدر الإمكان.
+ والمبدأ الأخير الذي يجب مراعاته، بصورة عامة في كل الخطايا، هو أن يذكر يوميًا بأنه سينتقل من العالم.