حول زيارة البابا بيندكتوس السادس عشر إلى قبرص عام 2005
الميتروبوليت أثناسيوس أسقف ليماسول
ترجمة حنا سموع بالمشاركة مع راهبات دير سيدة كفتون
سؤال: لماذا أثارت الكنيسة والشعب فضيحة تتعلّق بزيارة البابا بنيدكتوس السادس عشر الوشيكة إلى الجزيرة؟
جواب: أظنّ أنّ زيارة البابا إلى قبرص ستُسبب عدّة مشاكل في وجدان المسيحيّين الأتقياء. قد يكون من الأفضل لو لم يأتِ، لأنني أظنّ أنّها لن تنفعنا بأيّ شكلٍ من الأشكال، علمًا بأنّني لم أرَ أيّ تدّخل إيجابيّ، في ما يتعلق بقضايانا الوطنيّة، من قبل الفاتيكان حتّى الآن. لقد أثارت اضطرابًا بما فيه الكفاية، كنّا بغنى عنه في هذا الوقت.
سؤال: هل نحن في خطر ما؟
جواب: لا أقول إنّنا في خطر بقدوم البابا، أو أننا سننحرف عن ايماننا، أو أنّه سيتم إخضاع الكنيسة الأرثوذكسية، ولكنّها أثارت مختلف الجماعات (المنشقّة) من أتباع التقويم القديم ” Old Calendarists” ليتهمونا بالمساومة، وبأنّنا خالفنا مبادئ الإيمان الأرثوذكسيّ، كما أنّ الموضوع أثار تساؤلات كثيرة. طبعًا، إنّ البابا دعاه رئيس الجمهورية ، ثمّ قدّم موافقته رئيس الأساقفة.
سؤال: هل ناقشتم هذا الأمر مع المجمع المقدس؟
جواب: في المجمع المقدس الأخير، طُرِحَ موضوح الحضور في المناسبات المشتركة مع البابا أو الاحجام. أمّا أنا فرفضت المشاركة، وقلت إنني لا أعرف شيئًا بل علمت عن زيارة البابا من الصحف.
سؤال: هل تعلم عادة الأخبار من الصحف؟
جواب: لقد زاد رئيس أساقفة قبرص من امتيازاته، ونحن بالتأكيد لا نريد له التدخل في شؤوننا، على كل حال سنحتفظ بحقنا الشخصيّ وهو أنّنا لا نعلم أن البابا آت، وأنّني لو سُئلتُ لأعلنت رفضي الشخصيّ، لأنّ هذا الأمر سيتسبّب في انتهاك نفوس المسيحيين الأرثوذكسيين الأتقياء والأبرياء، وهذا ما أراه سيحدث.
سؤال: ألا ينبغي التواصل بين الكنائس؟ نحن نعيش في القرن الحادي والعشرون، كما أنّنا في الاتحاد الأوروبي.
جواب: لا مانع من الحوار مع أيّ إنسان، حتى ولو كان غير أرثوذكسيّ أو من أي ديانة أخرى. ولكن الحوار أمر، وأن تستقبل البابا على أنه أسقفٌ قانونيٌّ أمر آخر. وهو بالنسبة إلينا نحن الأرثوذكسيّين، هرطوقيّ وبخارج عن الكنيسة، وبالتالي ليس حتى بأسقف.
سؤال: هل هذا بسبب الانشقاق؟
جواب: إنّ البابا خارج عن الكنيسة منذ عشرة قرون، هو ليس أسقفًا قانونيًّا، ولا علاقة له على الإطلاق بكنيسة المسيح الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليّة.
يختلف الأمر بين استقباله كأسقف قانونيّ أو محاورته كخارج عن الأرثوذكسيّة، بغية أن نكشف له حقيقة الإيمان الأرثوذكسيّ والتقليد.
سؤال : لقد التقى البطريرك المسكوني مع البابا وبدأ الحوار بين الكنائس.
جواب : كما قلت سابقًا، ليس الحوار أمرًا سيئًا عندما يُبنى على افتراضات صحيحة. ولكن من الخطأ أنّ نقول لهؤلاء الناس إنّنا نعترف بهم ككنيسة، وأنّ البابا أسقف وأخ لنا في المسيح والكهنوت و(الإيمان). لا يمكنني قبول هذا الكلام لأنّنا نكذب، بما أنّ جميع الآباء القدّيسين يعلّمون العكس. إنّ البابوية عبارة عن هرطقة، ومصدر كبير لكثير من البدع الأخرى التي تُربك العالم كله اليوم.
قال أحد القديسين المعاصرين يوستينيوس بوبوفيتش “في تاريخ الجنس البشري هناك ثلاث سقطات مأساوية: سقطة آدم، وسقطة يهوذا تلميذ المسيح ، وسقطة البابا الذي كان أول أسقف للكنيسة. لقد سقط عن الإيمان الرسوليّ وقطع من الكنيسة الرسولية وجذب معه حشدا كبيرا من الناس إلى يومنا هذا.
سؤال: ماذا يقول البابا عن الأرثوذكس؟
جواب: قال البابا اننا نحن الأرثوذكس نعاني من نقص…
سؤال: هل الله واحد…؟
جواب: نعم الله واحد وكنيسة الله هي واحدة لذلك نقول في قانون الإيمان (أؤمن ) بكنيسة واحدة، جامعة، مقدّسة رسوليّة. هذه هي الكنيسة الأرثوذكسيّة ، لا يوجد عدّة كنائس.
سؤال: أليس من الغرور أن تنظروا إلى الأمور بمنطق “نحن ولا أحد“؟
جواب: كلا ليس غرورًا. على سبيل المثال، عندما يقول لك “الإيطاليّيون ليسوا يونانيّين” – وهذه هي الحقيقة – أنت لا تسيء إلى الآخر. وإن قلتُ للآخر لا يهمّ أن تكون كاثوليكيًّا وأننا جميعًا ننتمي إلى الكنيسة ذاتها، فأنا أضحك عليه، بما أنّ الآباء القدّيسين كلّهم يعلّمون أنّ كنيسة المسيح الجامعة والمقدسة الرسولية هي واحدة.
سؤال: لماذا نحن الكنيسة الوحيدة وليس البابوية؟
جواب: لأنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة تحافظ على إيمان الرسل، و خبرة الأنبياء الراسخة حتى أيامنا هذه. يا للأسف، حين انفصلت البابوية عن الكنيسة أضافت كثيرًا من العقائد الهرطوقيّة، وغير القويمة إلى الإيمان القويم، فغيرّوا دستور الإيمان النيقاويّ، والأخطر أنّهم رفعوا البابا إلى مستوى ممثّل الله الأعلى والوحيد على الأرض، وراحوا يزعمون أن البابا معصوم عن الخطأ، ومن ليس في شركة مع البابا، فهو ليس في شركة مع الله. وهم يعلّمون هذا الأمر رسميًّا في مجامعهم.
إنّها هرطقة أن تُضافَ إلى دستور الإيمان، أمورٌ وتعاليم كاذبة كثيرة لم يكتبها الآباء القديسون. هذا هو واقع الأمور.
سؤال: كيف تتعامل الكنيسة الأرثوذكسية مع الهراطقة؟
جواب: بكثير من المحبة، نحن نحب البابا ، نحب البابويين ، تمامًا كما نحب أي إنسان. نحن لا نحتقرهم ولا نرفضهم كأشخاص، إنّما نرفض بدعَتَهم وهرطقتهم، ولا نقبل تعاليمهم الكاذبة وضلالهم. ولأنّنا نحبّهم علينا أن نقول لهم الحقيقة.
طبعا كل واحد له حقيقته….
لهذا السبب يأخذ الحوار مكان هامًّا، لإثبات المصادر التاريخية التي اعتمدت عليها الكنيسة للحفاظ على الإيمان الرسولي والخبرة الرسوليّة للقدّيسين.
سؤال: هل تظنّون أنّ الحوار يمكن أن يأتي بنتائج؟
جواب: ممكن ولكن إن تم بشكل صحيح واستنادًا على الافتراضات الصحيحة، ولكن يا للأسف، ما يحصل اليوم لا يأتي بنتائج، ولهذا السبب مرّت سنون عدّة من النقاشات من دون الوصول لأيّة نتيجة.
سؤال: كل ّواحد يستمع إلى نفسه وحسب…
جواب: كان ينبغي أن يشرعوا في الحوار بوضع أنفسهم في ضمانة المكوث تحت راية الكتاب المقدّس، بتواضع ومحبّة، من أجل إثبات حقيقة المسيح. وبهذه الطريقة تَسُهُل الأمور.
سؤال: هل يتمّ الحوار بتواضع ومحبة؟
جواب: لا أعلم. أنا لا أشارك في الحوارات، ولكن لم أرَ أيّ نتائج هامة بعد القرارات التي أصدروها. قامَت حركة توزّع كتيّبات معارضة للبابا، ويستعدّون للاحتجاجات. ولا أوافق أيًّا منها. لا يجوز إظهار الوقاحة والفظاظة والسلوك الرديئ. التعبير عن الرأي أمر، واللجوء إلى تدابير بشعة أمر آخر. لا ننسى أنّنا نعيش في دولة ديمقراطية. بصراحة، وقبل كل شيء، أنا أرفض مجيء البابا إلى قبرص، وأقول في نفسي إنّ البابا هرطوقيّ، وأنّه ليس أسقفًا، وهو ليس مسيحيًّا أرثوذكسيًّا. هذا ما يقوله الآباء القديسون. إذا كنت مخطئا أنا مستعد لأصحّح خطئي، ولكن بناء على الآباء القديسين وليس على ذهنيّة العولمة. أن أعارض مجيء البابا لا يعني أنني خارج الكنيسة كما يزعم بعضهم.
سؤال: ولكن بإعلان هذه الأقوال، ألا تصبّون زيتًا على نار الذين تعثّروا أصلا من زيارة البابا؟
جواب: نحن نتفوّه بما يجب علينا قوله بكامل المسؤولية والإخلاص، ولا نشعل النيران. وأنا لا أريد أن أبدو وكأنّني موافق لوجود البابا في قبرص وليس لدي مشكلة. فلقد واجه رئيس الأساقفة خلافاتنا بطريقة ديمقراطية جدا خلال المجمع.
سؤال: هل وافقتُم زيارة رئيس الأساقفة إلى الفاتيكان؟
جواب: نحن لم نُسأل، وهو لم يكن مضطرًّا لأن يسألنا. لقد علمنا بزيارته من خلال الصحف. ولكن ماذا نتجَ من زيارته إلى الفاتيكان؟
سؤال: لم أفهم.. ألم يعلمكم بشيء؟؟
جواب: أجل، لقد أبلغنا.. ولكنّني شخصيًّا لست مهتمّا بالأمر. إنّ البابا يتحدّث دائمًا بطريقة رسميّة، ويقول الأشياء التي تناسب منصبه، كقوله الآن إنّه آتٍ إلى قبرص. ولكنّه لن يقوم بعمل هامّ، لأنه ليس زعيم الكنيسة، بل شخصيّة سياسيّة، ولا يستطيع أن يخالف المؤسسة السياسية والنظام القائم.
هل دافع البابا عن الكنيسة الأرثوذكسية؟ لقد مرّ بنا كثيرون من الغزاة، ولكن متى دافع عنّا؟ ناهيك عن معاناتنا، خلال حكم الفرنجة، من ظلم الباباوات وقراراتهم التي أمرت بإبادتنا. هذا المساء احتفلنا بعيد 13 شهيد من مدينة Kantara قُتلوا بأمر من الفاتيكان. ولقد قضينا 400 عام من العبودية القاسية تحت حكم الفرنجة… ولكنّني لن أعود إلى الماضي، فالأسباب التي أردّ بها هي لاهوتيّة بحتة. عندما تمّت سيامتي أُسقفًا، تعهدتُ الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسيّ.
سؤال: أليس الكهنة الذين سيستقبلون البابا محافظون على الإيمان القويم؟
جواب: قال بولس الرسول إنّ أولئك الذين يأكلون ذبائح الأوثان يجب ألا يدينوا الذين لا يأكلون، وكذلك أنا أيضا لا أريد أن أدين الذين سيشاركون لأنني لا أريد أن أدان بسبب عدم المشاركة.
سؤال: الأحد الماضي تمت قراءة بيان من قبل المجمع المقدّس في الكنائس، وتأثّر الناس عميقًا عندما ذكرَت أسماء رؤساء الكهنة الأعضاء واحدًا فواحدًا.
جواب: كل واحد منا قرر إصدار بيان يحثّ الناس على التضامن، والبقاء في كنائسهم، وعدم الاستماع إلى أصحاب التقويم القديم “Old Calendarists” الذين تم فصلهم من الكنيسة القانونية.
ما لم يوضّحه البيان، هو أنّنا لم نكن جميعًا على علم بدعوة البابا.
سؤال: في رأيكم، ما هدف البابا من زيارته إلى قبرص؟
جواب: كما تعلمين، بأن الباباوات يواجهون مشاكل وأزمات جدّية، مع كل الفضائح التي تُنشَر في الإعلام.
سؤال: كالتحرش بالأطفال؟؟
جواب: لا أرغب في تسميتها، ولكنّ الصحافة تنشر كل يوم أشياء محزنة…أنا لا أودّ أن أمنعهم من التعبير، ولكن في ظنّ البابا أنه الأول والنائب الوحيد للسيد المسيح على الأرض، لذلك هو تحت هذا النوع من الرقابة.
سؤال: لقد قال البابا إنّه يريد زيارة الأماكن المقدّسة متّبعًا خطى بولس الرسول.
جواب: عدا عن ذلك بولس الرسول لم يكن يتنقل بسيارة مصفّحة يصل سعرها إلى خمسمئة ألف يورو، وحسب ما قرأت على الحكومة القبرصية أن تشتري السيارة للبابا، كي يتنقل بها خلال اليومين اللذين سيمضيهما هنا.
أنا شخصيا تعثّرتُ بهذا، فسّيارة مصفّحة لا تليق بنائب المسيح….كما لا يجوز أن يتحمّل الناس عبء ثمن كهذا في وسط أزمة اقتصادية.
سؤال: لقد قال المبعوث البابوي إنّ البابا آتٍ إلى قبرص، كي يطوّر أسس المبادئ المسيحية ويعزّزها، ويريد أن يسير في خطى بولس الرسول، ويلتقي الإخوة في الكنيسة الأرثوذكسيّة بروحانيّة ومحبّة كبيرتَين.
جواب: ليس لدينا شك في نيّة البابا أو قصده من الزيارة، ربما يكون قد شابه بولس الرسول وعرف هو نفسه الغنى الحقيقيّ الموجود في الكنيسة الأرثوذوكسيّة، نحن نصلي كي يعود إلى الكنيسة الأرثوذكسية، ويصبح أسقف أرثوذكسيًّا من جديد، كما قبل الانشقاق. هذه هي الطريق الوحيدة إلى الوحدة.
سؤال: ماذا في تخمينكم هو جدول الأعمال الخفيّ؟
جواب: إن الفاتيكان لا يقوم بأعمال وتحركات من دون غاية أو هدف، فكل رحلة للبابا يكون لها هدف وهو تقديم البابا على أنه الزعيم العالميّ للمسيحية، على كل حال في هذه اللحظة هو ليس بأسقف قانونيٍّ ولا بأرثوذكسيّ، لذلك هو ليس بموقع يسمح له بإبراز نفسه على أنه الأسقف الأوّل.
سؤال: هل من الممكن أن يكون لديه مصالح سياسية؟
جواب: لا أعرف، أظنّ ذلك. نحن القبارصة ليس لدينا أي مكاسب سياسية من زيارة البابا– فقط الكثير من النفقات وهيجان في الضمير الإيماني.
سؤال: رئيس الأساقفة (البطريرك) قال إنّ كل من رفضوا زيارة البابا سيضعون أنفسهم خارج الكنيسة.
جواب: لا أعلم ما صرّح به رئيس الأساقفة، ولكنّني لا أرى أنّ كل من يرفض زيارة البابا سيضع نفسه خارج الكنيسة. أنا أرفض الزيارة بكلّ جرأة، ولستُ خارج الكنيسة.
مَهلاً! مهلاً!
جواب: الكنيسة، كما يؤكّد رئيس الأساقفة نفسُه، تتّبع الديمقراطية. ولكن أن تجادل في احترام متبادل، يختلف تمامًا عن اللجوء إلى سلوك غير لائق.