صورتي أو صورة المسيح؟
الخورية سميرة ملكي
التصوير الفوتوغرافي فنّ كسائر الفنون، وقد أصبح أكثر الفنون محبة لدى الجميع. فالكلّ يشهد الثورة العارمة في الفنّ في عصرنا الحالي بسبب التكنولوجيات الجديدة والكاميرات التي تشكّل جزءً أساسياً من الهواتف الذكية والتي توصَل بشبكات التواصل الاجتماعي. ولعلّ الصورة المُلتَقَطة ذاتياً والمعروفة ب “سيلفي Selfie” باتت الأكثر رواجاً، حتّى وصل الناس بها إلى درجة الهوَس سواء كانوا إكليريكيين أو علمانيين.
فما سرّ هذا الهوس بالتصوير بشكل عام وبتصوير ذواتنا بشكل خاص؟
ما يهمّنا هو الإجابة على الشقّ الثاني من السؤال. نبدأ أولاً بالردّ من المنظار العالمي الذي لا يقلّ أهمية عن غيره. يقول المصوّر الفرنسي جان-فرنسوا فيبري أن السيلفي “عملية تتوسّع في المجال الاجتاعي الافتراضي” ويضيف “فكرة أن يلتقط الشخص صورة لنفسه خلال رحلة إلى الخارج أو خلال حدث أو مشهد ما ليقول «لقد كنتُ هناك أو أنا هنا» أمر أناني مثل المرحلة التي نمرّ بها. فينبغي أن نكون جميعاً أبطال حياتنا الخاصة”. وتذكر سارة كينيل، أمينة قسم الصور في المعرض الوطني للفنون في واشنطن، أن السيلفي هي “بمثابة كلمة جميلة نوجهها إلى أنفسنا، وهي جانب النرجسية (حبّ النفس) في ثقافتنا”.
وهنا لا بدّ من التوقف عند عدد من الأسئلة التي تثيرها موجة نشر الصور الحالية، سواء الشخصية أو الجماعية منها: ما الذي يؤكّد أنّ كل الذين تصلهم صوري مهتمّون بها أو يقبلونها بالشكل الذي أرغب به؟ ألا يمكن أنها تزعجهم خاصةً عندما تصلهم في أوقات غير مناسبة؟ أليس من الممكن أنها قد تعثرهم؟
لذا، ينبغي أن نعالج هذا الموضوع من الناحية الإيمانية. فما لا شكّ فيه أنّ السيلفي هي عشق للذات ونوع من أنواع الغرور والكبرياء. فإن قلقنا حول مظهرنا وصورتنا الخارجية يدفعنا إلى نسيان إنساننا الداخلي وذاتنا الحقيقية. إذ يمكننا أن نخفي أنفسنا عن العالم وراء صورة معدّة بعناية، لكن لا يمكننا أن نخدع الله. فالتصوير الفوتوغرافي يسمّى أيضاً التصوير الضوئي، لأنه عملية إنتاج صور بوساطة تأثيرات ضوئية، فالأشعة المنعكسة في المنظر تكون خيالاً داخل مادة حساسة للضوء ينتج عنها صورة تمثّل المنظر. إذاً هناك حاجة للضوء لكي تنتج الصور. والأمر نفسه ينطبق روحياً. ما نودّ قوله هنا هو أننا بحاجة للنور لكي نعكس صورة المسيح الحقيقية. فالسيد لم يكتفِ بأن يكون وحده نور العالم، بل هو يطلب من كل واحد منّا أن يصبح نور العالم كقوله لتلاميذه “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (متى 14:5-16)
لكن نورنا يُعايَن بنوره. هذا نؤمن به ويؤكّده خبراء العالم. تقول الفنانة أليزابيث روث: “الناس كالنوافذ ذات الزجاج الملوّن، فهي تتلألأ وتشعّ في النهار. وعندما يحلّ الظلام، فإن جمالها الحقيقي يظهر فقط إذا كان هناك ضوء في الداخل”. فالضوء أو السراج الذي قال عنه الرب يسوع هو أنه لا ينبغي وضَعه تحت المكيال لكي ينير للجميع. لكن هذا السراج لا تنيره صورتنا الشخصية بل صورة الله التي فينا متى كنّا غير عابئين بمظهرنا الخارجي المتغيّر والزائل والذي تهزه الأهواء العديدة، بل كل ما نهتمّ به هو نور الكلمة الإلهية.