كما نترك نحن أيضاً
عن اليرونديكون الصغير
تعريب الأرشمندريت أفرام كرياكوس
كان الأنبا سلوانُس من الشيوخ الذين تحلّق حولهم كثيرون من الناس من رهبان وعلمانيين. فقد امتاز بمحبّته الكبيرة التي كان يبديها للجميع وبمعرفته العميقة في الأمور اللاهوتية. كان كل مَن بقربه يتوق للاستماع إليه. فهويملك كلام تعزية في كلّ المصاعب والمشاكل التي يعانيها البشر. كما يملك دائماً نصيحة ما يعطيها.
كثيرون كانوا يذهبون إليه ليسمعوا أقواله المباركة، وأيضاً ليعترفوا ويطلبوا المعونة في جهادهم الروحي.
أحد هؤلاء كان جاورجيوس، ربّ أسرة تقي، يعتني بحقله الكائن شرقاً. كان يذهب بتواتر إلى الشيخ ويستشيره بكل ما كان يشغله. إلاّ أنه في الفترة الأخيرة مضى عليه وقت طويل لم يزر فيه الشيخ. كان عنده مشاكل مع أحد جيرانه الذي سبّب له متاعب وشروراً. كان يصبر على جاره ويتجاوز الظروف الصعبة بالصلاة. لكن الجار صار أسوأ مع الوقت وأتعابه ومشاكله تزداد مع جاورجيوس المتواضع. في أحد الأيام نفد صبره وصارت معاناته وحزنه غير محتملة. فقد تشاجر مع جاره واتخذ قراراً أن يشتكي عليه في المحكمة ويقاضيه. هو نفسه لم يستطع أن يتعرّض له بالسوء. إلاّ أنه كان عليه أن يستشير شيخ البرّية وبالفعل انطلق إلى إسقيط الأنبا سلوانُس. عندما وصلاقتبله الأنبا بسرور ومباشرة ذهبا إلى كنيسة الاسقيط. خلال الاعتراف كشف جاورجيوس عن المشاكل مع جاره وأخبره عن قراره باللجوء إلى القضاء.
“لا شيء آخر يمكن أن ينفع يا أبتي”، قال جاورجيوس. “فقد حاولت بشدّة. كنت أصلّي من كلّ قوّتي إلاّ أنني إنسان أيضاً. لا أستطيع الاحتمال أكثر. كان في البداية عدائياً معي وشيئاً فشيئاً استولى على نصف أموالي وأرزاقي. صبرت عليه وهو ينمّ علي بالسوء حتى فقدت أصدقائي. والأسوأ من كل شيء أنه حاول أن يسمّمني. فقررت أن أعاقبه باللجوء إلى المحكمة لينال عقابه وأنا حقيّ.”
أجابه الشيخ سلوانس بكلّ هدوء: “اعمل كما تريد يا بنيّ”
“لكن ألا تعتقد أيها الشيخ أنه بعد هذا العقاب سيكون أكثر عدالة؟”
فأجابه الأنبا: “إعمل بما ترتاح إليه”. ثم سأله جاورجيوس: “ألا يكون هذا السبيل أفضل بالنسبة إليه؟” عندها لم يجبه الشيخ.
“حسناً سأذهب إذاً بهدوء لئلاّ أُتعب محبّتكم سأذهب إلى المحامي”.
“انتظر قليلاً يا بنيّ. لا تستعجل كثيراً”، قال الشيخ. “تعالَ نصلّي أوّلاً لكي يبارك الربّ عملك”.
نهض الشيخ وأخذ جاورجيوس وانتصبا أمام أيقونة السيّد الضابط الكلّ. بعد رسم الأنبا إشارة الصليب أخذ يقول: “أبانا الذي في السموات، ليتقدّس اسمك، ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، خبزنا الجوهري أعطنا اليوم. لا تترك لنا ما علينا كما نحن لا نترك لمن لنا عليه”.
عندما نطق الأنبا سلوانس بهذه الكلمات الأخيرة، صرخ جاورجيوس:
“إن الصلاة الربانية لا تقول هذا. لعلك ارتكبت خطأً ما؟”
فأجابه الشيخ بلهجة رصينة:
“بالفعل يا بنيّ لا تقول الصلاة الربّانية هذا. لكن هذا هو واقع حالنا. طالما أنك قرّرت أن تسلّم أخاك إلى العدالة فأنا لا أستطيع أن أقول صلاة أخرى من أجلك”.
عند هذا الحدّ بقي جاورجيوس صامتاً. وأخذ بركة الشيخ وعاد إلى بيته. لقد أثرت كلمات الشيخ عميقاً في نفسه. عاد وصبر على شرور جاره إلى أن توفى هذا الجار القاسي. فتابع جاورجيوس حياته الفاضلة مردّداً تعليم الأنباسلوانس:
“اترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه…”