تخطي الحاجة للاستحسان
الأب جورج موريللي
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
ملاحظة: الاستحسان هو غير المديح، والحاجة للاستحسان قد تتطوّر إلى طلب المديح لكن ليس دائماً وهذا التطور ليس حتمياً. (المعرّب)
يوجد في علم النفس السريري إدراك غير عقلاني معروف جداً، يحثّ العواطف المختلّة كالقلق والاكتئاب وما يليها من السلوكيات المهايئة (غير القابلة للتأقلم)، مفاده أن يفتكر الإنسان: “يجب أن أكون محبوباً ومستحسناً لدى كل الأشخاص المعتَبَرين في حياتي، وغياب ذلك يكون عندي مريعاً”. تجدر الإشارة إلى أن “يجب” تتضمّن قانوناً أو طلباً شخصياً. “مريعاً” تؤدّي إلى استنتاج بأن غياب الاستحسان هو نهاية العالم، أو السوء أكثر من مئة بالمئة. الحاجة الماسة للاستحسان، كما في حالة المعتقدات غير العقلانية الأخرى والعواطف المستَنكَرة والسلوكيات الخاطئة، تؤدي إلى مفعول الدومينو المتتالي من المشاكل. هذه الحاجة للاستحسان تقوّض القدرة على التغلب على العقبات ما يتحول دون تحقيق الأهداف المنشودة، وغالباً ما يؤدي بالأفراد إلى وضع معايير عالية كمالية (perfectionistic) إلى درجة عدم قابلية التحقيق عملياً مع كل ما يرافقها من نمو للعواطف المختلة المذكورة أعلاه.
يُعطى هذا الطلب المميّز الناتج عن الحاجة الماسة للاستحسان أسماء مختلفة. يشير سليمان الحكيم في العهد القديم: “سَمْعُ الانْتِهَارِ مِنَ الْحَكِيمِ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ مِنْ سَمْعِ غِنَاءِ الْجُهَّالِ” (جامعة 7:5). التملّق هو محاولة لاستدرار استحسان الآخرين. يرى التقليد البوذي أن الاهتمام باستحسان الآخرين يجعل الإنسان عبداً لهم، لذا أن يقوم المرء بعمله وينسحب هو الطريق إلى الصفاء. يرِد على لسان إحدى معلمات القرن التاسع عشر حديثها إلى تلاميذها: “التملّق هو فنّ يكمن فيه الشيطان ليخدع الإنسان نافخاً فيه أفكار الغرور”. يمكن اعتبار أن الحاجة الماسّة لسماع الاستحسان تعرّض الإنسان للاستسلام لتجربة التملّق. بالنظر إلى الأمر من جهة المتملَّق، فإن الأمر يجعل الشخص الذي يطلب الإطراء باستمرار أكثر تعلّقاً بهذه الإطراءات. من الجهة الأخرى، يجب الإصغاء إلى القول الصوفي: “ليس لائقاً لأي كان أن يمدح أحداً… بل هو ملزَم بأن يوضح الحقيقة مهما كانت…”.
يرى آباء الكنيسة أن الحاجة المستمرة إلى سماع الاستحسان هي من فئة المجد الباطل. يعلّمنا القديس يوحنا السلّمي: “إن أوج العجب أن يتلذذ المرء وهو وحده بمدائح وهمية لا يوجهها إليه أحد”. يمكن أن نرى أن الحاجة الماسّة إلى الاستحسان هي “التلذذ بالمدائح” أي التصرف لخلق انطباع لدى الآخرين، أي لكسب إطرائهم. يصف القديس باييسيوس الآثوسي الآثار النفسية والروحية غير المرغوب فيها والناتجة عن الحاجة الماسة للاستحسان بقوله الموجَز: “كثيرون من الناس يتعذبون عندما لا يأتيهم المديح من أحد…”
يمكن تخطي الحاجة للاستحسان على جبهتين. نفسياً، يمكن إعادة بناء نظام القانون الشخصي باستبدال فعل “يجب” أو “ينبغي” بالفعل “أود”. وعليه فإن طريقة التعاطي مع الآخرين الأكثر فعالية تكون بأن يفتكر الإنسان على هذا المنوال: “بالتأكيد، الحصول على استحسان الآخرين أمر لطيف ولكن بإمكاني قبول ذاتي من دونه”. روحياً، يمكننا الاستغناء عن الاستحسان الأرضي بالالتزام بكلمات القديس اسحق السرياني: “هناك رجاء بالله يأتي من التزام القلب الذي هو حسن والذي فيه التمييز والمعرفة”. يشير القديس إلى أن الله دائم الرحمة حتّى على سقطاتنا، وهو يعبّر عن ذلك شاعرياً بقوله: “كما أن حبّة الرمل لا يمكنها أن توازن كمية كبيرة من الذهب، كذلك استخدام الله للعدالة لا يوازن رحمته”.