الحســـــــــد
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس
مرض الحسد هو أحد أسوأ أمراض النفس. إنه يسبب عطباً كبيراً لنفس الشخص الحسود، كما أنه يسبب ضيقاً شديداً للآخرين. الشخص الواقع في قبضة الحسد لا يهتمّ لا بالأصدقاء، ولا بالأقارب، ولا بمقدمي الإحسان. عدم السعادة هي السمة المميزة للشخص الحسود. يقول القديس باسيليوس الكبير أن الصعوبة في هذا المرض هو أن الشخص الحسود “لا يستطيع حتّى التعرّف على مرضه، لكنه ينكس رأسه وينحني مضطرباً وينتحب ويفسده الشرّ بالكلية”. في الغالب لا يريد الشخص الحسود أن يعترف بمرضه أو أن يظهر جرح نفسه، وبالتالي يكون بائساً على الدوام.
سوف نتناول باختصار هذا الموضوع المهمّ الذي هو، كما ذكرت، خطيئة بشعة تصيب المجتمع، حتى مجتمع المؤمنين. يوجد حسد في العالم وحسد في الكنيسة، حسد بين عامة الناس وحسد بين الإكليروس، حسد شخصي وحسد عام.
1- ما هو الحسد
الحسد هو بصورة رئيسية الحزن من سعادة القريب والفرح لتعاسته. يشير القديس باسيليوس قائلاً أن الحسد هو “غذاء المرض وألم إضافي للشخص الحسود”. عادة ما يكون الشخص الحسود قلقاً ومغلوباً بحزن لا يحتمل، ليس لأن أمراً سيئاً أصابه، لكن لأن أمراً سعيداً حدث لقريبه الإنسان. إنه لا يلتفت إلى بركاته الشخصية، ولا يشكر الله على الخيرات الممنوحة له كل يوم. لكنه بدلاً من ذلك، يتعذب بسعادة أخيه. إنه حزين لأن أخاه سعيد ويمتلك أشياء أكثر منه.
الحسد هو جرح خطير، لأنه لا يوجد أي هوى آخر “يحطم نفوس الناس بهذه الدرجة”. إنه مرض خطير لأنه يولد من جذر كل الأهواء، أي من الكبرياء. يشير القديس ثالاسيوس إلى أن السمة المميزة لتقدير الذات هي الرياء والكذب، على حين أن السمة المميزة للكبرياء هي الوقاحة والحسد. بالتالي عندما نكون مغلوبين من الحسد، يكون من المؤكد أننا واقعون في قبضة أمه، أي الكبرياء. قد نبدو متواضعين، لكن كوننا حسودين فنحن متكبرون.
يوجد أيضاً ارتباط قوي بين الحسد ومحبة المديح. إننا عادة ما نغار من الآخرين لأنهم يُمدحون بينما لا نُمدَح نحن. يقول القديس مرقس الناسك أنه أمر مميز أن الشخص الذي يمتدح شخصاً ما على شيء ما وينتقد شخصاً آخر على نفس الشيء يكون بلا شك مغلوباً بهوى الكبرياء والحسد. عادة ما يحاول مثل هذا الشخص أن يخفي الحسد في قلبه بتقديم المديح. هذا الأمر مميّز للخبث الذي يظهر به هوى الحسد نفسه. قد يسكن هوى الحسد خفية داخل أولئك الذين يمدحون الآخرين باستمرار.
2- كيف يظهر الحسد نفسه
عادة ما يفحص الشخص الحسود حياة الآخرين ويحاول مقارنة حياته الخاصة بحياتهم.وهو عندما يدرك أن أخاه متفوق عليه، فإنه يَدَع هوى الحسد الرهيب يظهر ذاته. عادة ما تكون أول علامة على الهوى هي الاكتئاب، والضيق، والبؤس. “لا يفارق الحزن والقنوط الشخص الحسود أبداً”. تصبح المميزات البدنية والروحية للآخرين مصدراً للحزن والكآبة، بل وحتى ممتلكاتهم المادية تزعجه. يكون الشخص المصاب بالاكتئاب “مثل رجل عريان يُجرح من كل أحد”. إنه يتأذى بشدة بجرح نافذ. “تخترق كل هذه الجراح والإصابات أعماق قلبه” (القديس باسيليوس الكبير).
عادة ما تجول عينا الشخص الحسود في كل مكان. إنه يراقب بعناية مستمرة لكي يجد أسساً يبني عليها اتهاماً. فهو يلاحظ كيف يتكلم الآخر ويتصرف. إنه مستعد دائماً لعمل تعليقات عليه، خصوصاً أمام الآخرين، بهدف التقليل من شأنه والزهو بنفسه في نفس الوقت. عندما يُمدح ضحية الشخص الحسود فإنه يكون مستعداً للاعتراض. إنه مستعد لقول: “قد يكون ذلك صحيحاً إلا أن …..”، ثم بعد ذلك يظهر الجوانب الخفية المحتملة في حياة الشخص الآخر مع نية واضحة لإهانته.
يعطي أيضاً القديس باسيليوس الكبير وصفاً فصيحاً للمظهر الخارجي للشخص الحسود. إنها حقيقة أن أهواء النفس عادة ما تظهر نفسها في الجسد أيضاً طالما أنه يوجد ارتباط وثيق بين النفس والجسد. يقول القديس باسيليوس أن الأشخاص الحسودين معروفون جيداً من تعبيرات وجوههم. “تكون نظرتهم حادة كئيبة، ووجههم معبس، وجبينهم مقطب، ونفسهم مضطربة بهذا الهوى. وهم ليس لديهم مواصفات للحكم على ما هو صائب”. لا يجد الأشخاص الحسودون أي شيء جيد أو يستحق المديح في الآخرين. إنهم مثل الطيور المفترسة التي تطير فوق المروج الخضراء باحثة عن جثث الحيوانات، أو مثل الذباب الذي يترك ما هو نظيف ويتجه نحو ما هو ملوث. يرى الأشخاص الحسودون في الآخرين ما هو قبيح فقط، ويبحثون باجتهاد عن أسباب لانتقادهم، على حين أنهم في نفس الوقت يتغاضون عن الجوانب الجيدة في حياتهم.
عادة ما يُظهر الغضب نفسه من خلال البؤس والحزن الذي يحرق قلب الشخص الحسود، وهو عادة ما يخفي ذاته خلال الجسد أيضاً. إنه يعبر عن نفسه أيضاً من خلال تصيد الأخطاء ويظهر ذاته من خلال استعدادنا لإدانة ولوم الآخرين. قد يكون هوى الحسد مختفياً بعناية وراء الحزن والميل للنقد. إنه مختفي أيضاً وراء مدح الآخرين.
3- نتائج الحسد
للحسد نتائج مروعة. قد نكون مبطئين في إدراك وجود هذا الهوى فينا. إنه قد يحزننا بنفس المقدار الذي تسببه باقي الأهواء، لكنه يشوه كل كياننا الروحي. نستطيع سرد قائمة نتائجه الأليمة.
الحسد هو علامة على الحياة الجسدانية. إننا عادة ما نفكر في الحياة الحسية الجسدية على أنها تخص بعض الخطايا الجسدية التي نهتم بها كثيراً متغافلين عن الخطايا الأخرى. على كل حال، يعني أي هوى يتسبب في أن نفقد نعمة الله أننا جسدانيون في أذهاننا. أعمال الجسد هي عكس ثمار الروح القدس. يسرد القديس بولس أعمال الجسد ذاكراً الحسد أيضاً: “وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنا، عهارة، دعارة، نجاسة، دعارة، عبادة أوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، قتل، سكر، بطر، وأمثال هذه”(غل5: 19-21). يشدد القديس غريغوريوس السينائي على نفس النقطة قائلاً: “يكون المأخوذون تماماً بطرق الجسد، والمملوئون بمحبة الذات عبيداً للذة الحسية والباطل على الدوام. يكون الحسد أيضاً متأصلاً فيهم”.
يكون كل أولئك المستعبدين للانغماس في الملذات وتقدير الذات، المتأصل فيهم الحسد، جسدانيين. من الواضح أن الروح القدس غائب عنهم.
يكون الشخص الحسود أعمى روحياً. تكون عينا نفسه، أي النوس، عمياء ولا تستطيع تمييز الجيد من الرديء. إنها لا تستطيع حتى إدراك نعمة الله. النوس هو عين النفس التي ترى بها مجد الله. فإذا كانت هذه العين عمياء، فإننا نكون غير قادرين على معاينة الله لدرجة أن نكون أمواتاً. يقول القديس باسيليوس ببراعة: “يعمي الرب النوسَ الحسود لأنه يكون ممتعضاً من خيرات قريبه”.
ينتهي الحال بالشخص المغلوب من الحسد بعدم الإيمان. ألم تكن هذه حالة اليهود المعاصرين للمسيح الذين أعماهم الحسد فأنكروه وبالتالي فقدوا إيمانهم؟ عادة ما يكون للحسد هذا التأثير على نفس المرء ويقوده لفقدان إيمانه. يقول القديس نيكيتا ستيثاتوس: “نقص الإيمان هو شر، وهو أسوأ مواليد البخل الشرير والحسد”. لو كان نقص الإيمان شراً بهذا الحجم، فلا بد أن يكون الحسد الذي يلده أسوأ بكثير. يضل الشخص الحسود بسبب هوى الحسد “ويقولون بافتراء أن الجيد رديء، مسمّين إياه ثمرة الخداع. إنه لا يقبل أمور الروح ولا يؤمن بها، وبسبب نقص إيمانه لا يستطيع أن يرى أو يعرف الله” (القديس غريغوريوس السينائي).
يظهر الشخص الحسود، بسبب حسده، أنه لا يقتني المحبة. من يقتني المحبة يكون قادراً على تمييز البار من خلال العلامات المميزة المتنوعة، لكنه في نفس الوقت يشارك محبته مع كل أحد بدون تمييز. لا يستطيع الحسود أن يحب، ولا يريد ذلك. لا تشتهي المحبة الشر لأي أحد. “الذي يحسد أخاه، ويمتعض من سمعته الحسنة، ويفسد اسمه الحسن بتعليقات ساخرة” يكون غريباً عن المحبة ومذنباً أمام دينونة الله (القديس مكسيموس).
الشخص الحسود يدمر أيضاً مقتنياته. يقول القديس باسيليوس أنه تماماً مثلما ترتد السهام المطلقة من القوس إلى الرامي لو ارتطمت بشيء صلب، هكذا أعمال الشخص الحسود “تتسبب في إصابته” دون أن تؤذي الشخص المحسود. يذبل الشخص الحسود باستمرار بسبب الحسد. “إنه يدمر نفسه إذ يأكله الأسى”. مثلما تفنى النحلة بمجرد أن تقرص شخصاً ما، هكذا هوى الحسد يدمر الشخص الحسود. مثلما يدمر الصدأ الحديد أول كل شيء، هكذا يأكل الحسد الشخص الذي يأويه. يقال أن الأفاعي السامة تولد بأن تلتهم جدار بطن الأم من الداخل، وبنفس الطريقة “يحرق الحسد النفس التي تحمله”.
إننا نجد نفس التعليم عن أن الشخص الحسود يدمره الحسد في كل كتابات آباء الكنيسة. أستطيع أن أنوه مثلاً للقديس نيكيتا ستيثاتوس الذي يقول أن الشخص الحسود “يحترق بالغيرة من أولئك الذين تلقوا نعمة الروح في صورة حكمة ومعرفة إلهية”. يذوب الشخص الحسود مثل الشمعة، لكن بدون أن يعطي ضوءاً لآخرين، لكنه على العكس يظلمهم بخبثه الشخصي.
هوى الحسد يتسبب أيضاً في إيذاء الأشخاص الموجه إليهم. إنه يتسبب في أذى كبير، وخصوصاً لو كان ضحيته لا يمتلك القدرة والشجاعة الروحية للتعامل مع الموقف.
ابتعد الإنسان عن الله وترك مصدر الحياة بسبب حسد إبليس. المعلم الأول للحسد كان الشيطان نفسه. لقد كان غيوراً من محبة الله الكبيرة للإنسان، ولأنه كان غير قادر على أن يتكلم ضد الله، اشتكى ضد خليقته الذي هو الإنسان. من خلال عمله ضد الإنسان، أصبح إبليس، واستمر، عدواً في حرب ضد الله (القديس باسيليوس الكبير). يعلِّم القديس مكسيموس أن الشيطان حثّ الإنسان على كسر وصية الله “بسبب حسده لله ولنا”. لقد حسد الله ولم يرد “أن تظهر قدرته المؤلهة للإنسان الأكثر مجداً”. لقد حسد الإنسان ولم يرده أن يكتسب الشركة مع الله.
كان قايين أول تلميذ لإبليس في هوى الحسد. “لقد كان أول تلميذ للشيطان لأنه تعلم منه الحسد والقتل” ووصل إلى قتل أخيه هابيل البار (القديس باسيليوس الكبير).
فيما بعد كان شاول مدفوعاً بالحسد فانقلب على داوود الذي أحسن إليه. فبينما كان داوود يسلّي شاول لكي ينقذه من الجنون، طلب شاول أن يقتله. لقد أصبح داوود طريداً وطارده شاول لكي يقتله. لأي سبب؟ لأن داوود كان يفعل الخير لشاول باستمرار وبالتالي أثار حسده. كما يقول القديس باسيليوس: الحسد “هو نوع من العداوة صعب جداً في التعامل معه”. تثير أعمال الصلاح الشخص الحسود أكثر. تهدأ الكلاب عند إطعامها، وتروض الأسود عندما يُعتنى بها، “إلا أن الحسود يصبح أكثر شراسة عندما يُعامل حسناً”. تجعله الأعمال الصالحة أكثر غضباً.
يحلل القديس مكسيموس المعترف حالة شاول الذي اضطهد داوود على الرغم من معاملته الحسنة له. إنه يقول أن مَن يكره شخصاً ما ويذمّه حسداً لأنه يتفوق عليه في جهاد الفضيلة ولأنه أغنى منه في المعرفة الروحية، يكون مصروعاً بروح شرير كما كان شاول. إن ما يغضبه بالأكثر هو أنه لا يستطيع قتل من أحسن إليه. وتماماً مثلما نفى شاول ابنه المحبوب يوناثان، هكذا الشخص الحسود يطرد عنه “التعقل الفطري الذي لضميره” لأنه يوبخه على بغضته الخاطئة ويعطي بياناً حقيقياً عن إنجازات الشخص الآخر.
بالمِثل، من خلال الحسد، بيع يوسف للمصريين من قِبَل إخوته وصار عبداً. يقول القديس باسيليوس: “هنا نتعجب من بشاعة المرض!”. لو كانت أحلام يوسف حقيقية، فمن كان يستطيع منعها من أن تتحقق؟ لو كانت أوهاماً خاطئة فلماذا الحسد؟ الأشياء التي فعلوها لإيقاف النبوة أعدت الطريق لتحقيقها. يشير تعليق القديس باسيليوس هذا إلى أن الحسد لا معنى له. في أغلب الأحيان عندما نغار من إخوتنا فإننا في الواقع نعد لهم، دون أن ندرك ذلك أو نريده، طريق مجدهم وخزينا.
معاصرو المسيح أسلموه إلى بيلاطس حسداً. يقول القديس متى الإنجيلي عن بيلاطس: “لأنه علم أنهم أسلموه حسداً” (مت18:27). لقد كانوا يغارون منه لأنه صنع معجزات، وعمل الخير للناس بطرق عديدة متنوعة. فرح وخلاص الآخرين جلبا الحزن والقنوط للشخص الحسود. لقد وصل الحسد لدرجة ارتكاب أعظم جريمة في التاريخ بقتل المسيح. يكون الحسد ميالاً باستمرار للقتل. السبب الجذري للقتل هو الحسد، والقتل هو ثمرة الحسد. يكتب القديس غريغوريوس بالاماس عن هذا الموضوع قائلاً: “…الحسد يميل للقتل. لقد تسبب في أول جريمة قتل ومؤخراً في ذبح الله”.
إذ يفكر القديس ثالاسيوس في اليهود الذين دعوا المسيح بعلزبول لأنهم افترضوا أنه صنع المعجزات بقوة الشيطان ينصح قائلاً: “أنظر إلى اليهود ولاحظ نفسك بعناية؛ إذ أن اليهود أعماهم الحسد وتعاملوا مع ربهم وإلههم خطئاً على أنه بعلزبول”.
4- كيف يُشفى هوى الحسد
لا توجد فائدة من مجرد وصف خطورة هوى الحسد ما لم نتابع ونناقش كيفية الشفاء منه. إلا أنه ينبغي علينا أن نعترف أن العلاج صعب لأن الشخص الحسود “لا يطلب الطبيب من أجل مرضه ولا يستطيع أن يجد أي دواء يستطيع أن يشفي الهوى”. حتى عندما يُسأل، فإنه لا يريد الاعتراف “أنا حسود وممتعض. حُسنُ حظ قريبي يضايقني وفرح أخي يجعلني أنتحب. لا أستطيع تحمل رؤية بركات الآخرين وأعتبر أن صحة قريبي وسعادته هي تعاستي” (القديس باسيليوس الكبير).
مع ذلك نستطيع تحديد بعض العلاجات.
إننا نحتاج لإظهار محبة خاص تجاه أولئك الذين نشعر أننا ميالون داخلياً لأن نحسدهم. ينبغي علينا أن نحبهم أكثر وأن نمدحهم بكل قلوبنا. ينبغي علينا على الأخص أن نصلي من أجل الهوى، ولكن أن نصلي أيضاً لأجل الذين نشعر من جهتهم بالحسد.
ينبغي أن ننظر لكل شيء يقتنيه أخونا على أنه عطية من نعمة الله. إن الله هو واهب كل العطايا. من يستطيع كف النبع عن أن يدفق المياه؟ كل مواهب الروح والجسد يمنحها الله. لو تكلمنا ضد أخينا، فإننا نظهر أنفسنا كأعداء لله ومقاومين له. بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي علينا أن نعتبر أن الأموال والمقتنيات والخيرات المادية بوجه عام هي الأشياء الحسنة الوحيدة. إنها أدوات لتقودنا للفضيلة. يقول القديس باسيليوس: “لا يستطيع أحد أن يسد نبعاً جارياً، وعندما تسطع الشمس لا يغطي أحد عينيه”.
يكون الإرشاد الروحي من قِبَل كاهن خبير في المنهج الأرثوذكسي للعلاج مطلوباً. إننا نستطيع، من خلال الوسائل المتاحة له ومن خلال توجيهاته، أن نتحرر من هوى الحسد المدمر وأن نحيا حياة مسيحية صالحة.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ماذا ينبغي أن نفعل عندما يكون شخص ما غيراناً منا وعندما نكون ضحايا لحسد الآخرين؟
قبل كل شيء نحتاج أن نظهر الصبر والاحتمال. ينبغي علينا أن نفرح لأن هذه التجربة وقعت علينا وأن نطلب من الله الصبر والاحتمال. من يحتمل هذه التجربة بفرح يتلقى تعزية من الله ويكتب التواضع المقدس. من الجدير بالذكر أن هذا النوع من الصبر عادة ما يوجد في أولاد الله الأكثر شجاعة الذين اقتنوا ثباتاً وشجاعة روحية. كل من يحتمل حسد أخيه بصبر سوف ينال إكليل شهادة.
التوصية الثانية من التعليم الآبائي هي أنه ينبغي علينا أن نتجنب العيش مع، أو في نفس المكان الذي يعيش فيه الذين يحسدوننا لأن ضرراً كبيراً قد يحدث. مكتوب في سفر الأمثال: “لا تأكل مع رجل حسود ولا تشتهِ أطايبه. إنه يأكل ويشرب كمن سيبتلع شعراً. ولا تدعُه ليأكل خبزك معك لأنه سيتقيأه ويخرب كلماتك الحلوة ” (أم23: 6-8 عن الترجمة السبعينية). يقول القديس باسيليوس مشيراً لهذه المسألة أنه تماماً مثلما نحاول أن نبقي المواد القابلة للاشتعال بعيدة عن النار، هكذا ينبغي علينا أن نبتعد عن الصداقات مع الأشخاص الحسودين لأنه “تماماً مثلما تكون الآفة الحمراء مرضاً خاصاً بالقمح، هكذا يكون الحسد مرضاً يصيب الصداقة”.
نصح الأنبا بيمن شخصاً قائلاً: “لا تحيا في مكان موجود فيه من يغار منك لأنك لن تتقدم”.
بوجه عام، عندما نقتني نعمة الله داخلنا وعندما نكون في حالة روحية جيدة، فعندئذ لا تستطيع سهام الحسود أن تصيبنا ولا أن تضرنا. إلا أنه عندما لا تكون نفوسنا قوية وعندما نضطرب بسهولة ينبغي علينا، بمحبة ومن أجل المحبة، أن نقطع صداقتنا مع الشخص الحسود وأن نكف عن مصاحبته. بالطبع، لا يعني ذلك أنه ينبغي علينا أن نكف عن الصلاة من أجله أو عن الاهتمام بحياته. إننا نساعده ببساطة لكي نمنعه من إتيان أمر سيء.
هوى الحسد خطير. وكما شرحنا من قبل، يكون الحسد ضاراً جداً للناس. إنه في الواقع يظهر وجود العديد من الأهواء داخلنا وتولد منه أهواء أخرى. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي أن الحسد هو أكثر الخطايا ظلماً، لكنه أيضاً أكثرها عدلاً. إنه ظالم لأنه يهاجم البريء، لكنه عادل لأنه يهاجم أيضاً أصحاب المقتنيات والمذنبين. إننا نحتاج لبذل مجهود لكي نحرر أنفسنا من هذه الرذيلة الخبيثة.
يحثنا القديس باسيليوس قائلاً: “يا إخوتي دعونا نفلت من هذا المرض الذي يعلِّم العداوة لله، والذي هو أم القتل، والذي يفسد الطبيعة، ويتغاضى عن الصداقة، والذي هو أكثر البلايا حماقة”. “دعونا نهرب من هذه الرذيلة غير المحتملة. إنه درس نتعلمه من الحية، واختراع للشياطين، وعقبة ضد التكريس، والطريق للجحيم، وخسارة الملكوت”.