الطفل وشجرة التفّاح
إعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطّع، دده – الكورة
كان هناك شجرة تفاح في غاية الضخامة، وكان طفل صغير يلعب حول هذه الشجرة يوميًّا، ويتسلق على أغصانها ويأكل من ثمارها، ثمّ يستلقي قليلاً ليغفو في ظلّها. كان الطفل يحبّ الشجرة، وكانت الشجرة، بدورها، تحبّه وتفرح بلعبه معها.
مرّت الأيّام، وكبر هذا الطفل، وعاد لا يلعب حول الشجرة، ولا ينام في ظلّ أغصانها، فقالت له الشجرة ذات يوم: “تعال والعب معي كما كنت تفعل”. فأجابها الولد: “لقد كبرت، يا شجرتي العزيزة، وتبدّلت طريقة لعبي، فأنا أريد أن يكون لديّ بعض الألعاب كرفاقي، ولكنّي أحتاج إلى كمّيّة من النقود لشرائها”. فأجابته الشجرة: “أنا، للأسف، ليس لديّ نقود، غير أنّه يمكنك أن تقطف التفّاح الذي على أغصاني، وتبيعه، فتحصل، بذلك على النقود التي تحتاجها”. سُرّ الولد كثيرًا، وأسرع فتسلق الشجرة، وجمع كلّ ثمار التفّاح، ثمّ نزل وبدأ يركض ليبيعها. ومنذ ذلك اليوم لم يعد الولد للقاء الشجرة، التي حزنت غاية الحزن لغيابه.
وذات يوم رجع هذا الولد إلى الشجرة، ولكنّه كان قد أصبح رجلاً، فعرفته الشجرة، وفرحت غاية الفرح وهي تراه قد عاد إليها، وقالت له: “هل جئت لتلعب معي؟”. فردّ قائلاً: “أنا لم أعد طفلا لألعب حولك، فقد أصبحت رجلاً، ولديّ عائلة. لذا، فأنا أحتاج إلى بيت يكون لهم مأوى من تقلّبات الطقس. فهل يمكنك أن تساعديني؟”. فقالت الشجره : “آه، إنّي آسفة جدًّا، فأنا لا أملك بيتًا، ولكن يمكنك أن تأخذ جميع أغصاني لتبني بها لك بيتًا”. فقطع الرجل كلّ الأغصان التي كان بحاجة إليها، ثمّ ترك الشجرة وهو سعيد، وكانت الشجرة، أيضًا، سعيدة لسعادته.
ومرّ، أيضًا، وقت طويل دون أن يعود الرجل لتفقّد الشجرة، فحزنت لغيابه، وظلّت تترقّب متى يأتي إليها. وذات يوم حارّ جدًّا عاد الرجل مرّة أخرى، فرأته الشجرة عن بعيد، وفرحت جدًّا لرؤيته يسرع إليها، فقالت له: “ألعلّك أتيت لتتذكّر طفولتك وتلعب معي؟”. فقال لها الرجل: “أنا في غاية التعب، وقد بدأت أشيخ، وأريد أن أبحر إلى مكان لأرتاح فيه، فهل بإمكانك أن تؤمّني لي مركبًا؟. فأجابته بابتسامة رقيقة: “يمكنك أن تأخذ جزعي، وتصنع منه مركبًا يساعدك على الإبحار أينما شئت، فترتاح وتفرح”. فسمع الرجل كلام الشجرة، وهوى بفأسه وقطع جذعها. وما هي إلاّ أيّام قليلة حتّى صنع مركبه، وسافر مبحرًا ولم يعد لمدّة طويلة جدًّا.
وبعد غياب طويل دام سنوات عدّة، عاد الرجل إلى الشجرة، ولكنّها قالت له هذه المرّة: “إنّي آسفة جدًّا، يا ابني الحبيب، لم يعد عندي أيّ شئ لأعطيه لك، فهل أتيت لتأخذ تفّاحًا؟” قال لها مبتسمًا: “لا، لم يعد عندي أسنان لأقضمها “. فسألته ثانية: “وهل أتيت لتتسلّق أغصاني؟”. فأجابها الرجل بحزن: “كلا، لقد أصبحت عجوزًا، وعدت لا أستطيع التسلّق”. فقالت: “وأنا، كذلك، لا يوجد لدي ما أقدّمه، فكلّ ما أملك الآن هو جذور ميّتة”. قالت هذا وبدأت تبكي. فأجابها وقال لها: “كلّ ما أحتاجه في هذه الأيّام هو مكان لأستريح به من تعب السنين”. فأجابته وقالت له: “جذور الشجرة العجوز هي أنسب مكان لك للراحة، فتعال، تعال واجلس معي هنا تحت الأرض، واسترح إلى الأبد. فنزل الرجل إليها، وكانت هي تتأمّله أثناء نزوله وهي سعيدة به والدموع تملأ عينيها، وقد علت على فمها ابتسامة حزينة، فلقد أتى الوقت، أخيرًا، ليبقى معها ولا يعود يتركها.
أحبّاءنا، هل عرفتم من هي هذه الشجرة؟ إنّه والديكم الذين يقدّمون كلّ ما عندهم لتعيشوا حياة هانئة سعيدة وهم في غاية الفرح؟ فماذا تقدّمون أنتم لهم؟!!