في السنة الثانية والسبعين
الأب أنطوان ملكي
لو كانت الحركة رجلاً لكان متقاعداً منذ ثماني سنوات يقضي وقته في استرجاع ذكرياته أو ربما كتابتها، متنقلاً بين الكتب والكنيسة والأولاد والأحفاد. ولو كانت الحركة امرأة لكان شغلها الأول أن تتأكّد من أن أولادها يهتمّون بتربية أولادهم كما اهتمّت هي وأكثر. لكن الحركة ليست رجلاً ولا امرأة، إنها رجال ونساء وشباب وشابات وصبيان وبنات في قالب واحد وقلب واحد في مسيرة واحدة نحو الواحد، لا تتقاعد ولا تشيخ، لا تكتب ذكريات إلا لتكون حجر زاوية غدِها. كي لا يكون الكلام شاعرياً وينفر منه الصادقون، أقول أن هكذا أرادها مؤسسوها. فأين هي من ذلك في سنتها الثانية والسبعين؟
تصل حركة الشبيبة الأرثوذكسية في كنيسة الرسولين بطرس وبولس إلى سنتها الثانية والسبعين، فيما معاناة هذه الكنيسة تتخطى الألم لتلامس الخطر. أقول الخطر ليس لأن أبناء هذه الكنيسة وكهنتها ورهبانها ورؤساءها يتعرضون للحرب والموت والتهجير والخطف والاعتقال في سوريا، ولا لأن أراضيها في قطر تتعرّض للسلب غير الشرعي على يد بطريرك غير شرعي حصّل كرسيه بالسلب، ولا لأن أبناءها في لبنان مشرذمون موزعون على مختلف دكاكين سياسة البلد، بل لأن الوحدة الفعلية لهذه الكنيسة بخطر. فكل هذه المعاناة في هذه البلدان تُواجَه بالوحدة، بالالتفاف حول المجمع برئاسة البطريرك، في العمل على إيجاد جو السلام وزرع روح الصلاة والتواضع ونشر ثقافة الإلفة. الواقع يغاير هذا الكلام.
تصل الحركة إلى سنتها الثانية والسبعين فيما أصابع الاتهام موجّهة نحو أمانتها العامّة، بأشخاص أكثر من أمين عام سابق، بأنها ساهمت في إيجاد أكبر انشقاق تعاني منه كنيسة أنطاكية. الانقسام شامل اليوم، فالعلمانيون منقسمون في ما بينهم، والأديار منقسمة على بعضها البعض، والكهنة منقسمون. حتّى الحركة نفسها تعاني من الانشقاق كنتيجة طبيعية لغربتها عن نفسها وعن ناسها وعن أصلها. لأعوام والحركيون في وادٍ فيما أمانتهم العامّة في وادٍ آخر وما من أحد عمل على رأب الصدع. في كل مرة يطفو الخلاف إلى السطح يصار إلى تدوير الزوايا: اجتماع أو سلسلة من الاجتماعات فوثيقة تُضاف إلى أرشيف الأوراق بانتظار عدد جديد من “أنطاكية تتجدد”. الوثائق لم تعد تقنع الشباب، ولا يكفي أن تُتّخذ القرارات بتفعيل دور الشباب. ليست هنا الحاجة، بل الحاجة هي إلى تفعيل دور الروح القدس.
كان من الجميل جداً أن تقف الحركة في سنتها الثانية والسبعين وتفكّر في ما الذي فعلته في سنواتها الأخيرة. أين هم الذين كانوا من قبل؟ لماذا ابتعدوا عن الحركة أو لماذا عادوها؟ قبل ربع قرن كانت الحركة رمزاً للوحدة الأنطاكية حين لم يكن المجمع كذلك، فأين هي اليوم؟ لماذا ترتضي أن ينظر إليها الرؤساء على أنها حزب مطران واحد، وماذا سوف تعمل من بعده؟ ما وزن كلمتها في أي أمر؟ ما الذي كان ممكناً ولم يتمّ التعاطي معه بحكمة؟ أين بادرنا وأين أحجمنا؟ هناك سيل من كيف ولماذا ومتى وأين ومَن. الأسئلة كثيرة ومتعبة لمَن بلغ الثانية والسبعين، كائناً مَن كان.
في ما مضى كان حلمنا الكنيسة عروساً المسيح، فيما الحركة تحمل الطرحة وتزغرد. أنطاكية لنا كانت حفلة عرس والحركة أم العروس تخرج كل لحظة إلى الأسيجة والطرقات تنادي على الناس أن ادخلوا ما زال هناك متسع لكم جميعاً. في السنة الثانية والسبعين، نحن نعاين الكنيسة عروساً، لأن عروسيتها تستمدها من عريسها ومنه وحده. وها نحن نرى العروس في بهاءٍ لأن عريسها القادر أن يخلق من الحجارة أبناءً لإبراهيم هو الزينة وهو العرس. الأولون لم يعودوا أولين والطرحة لم تقع، لكن الزغاريد تختنق في حناجر جفّفها القلق. أُمُّ العروس مهتمّة بنفسها، لكن محبي العريس وأصدقاءه كثر لا يتركونه لوحده. يمكن للعيد الثاني والسبعين أن يكون أكثر عمقاً من حفل خطابي، وأكثر فعلاً من كلام يتكرر، وأكثر حميمية من صورة نحمّلها على الفايسبوك ونحصي الذين أعجبتهم، إذا عاد المعيّدون إلى أصل العيد لا شكله. لا يكون العيد عيداً إلا إذا جئناه بثياب العرس ودخلنا بهاءه بزغاريد لا بدّ منها، لأن العيد عيد شهداء. فهل نحن على ذلك؟