معجزة القدّيس نيقولاوس
راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطّع
مساء ليلة رأس السنة من العام 1956 دعت زويي سبعةً من أصدقائها لتناول العشاء في منزلها ليقضوا أوقاتهم في الغناء والرقص. راح المدعوّون يتوافدون الواحد بعد الآخر إلاّ نيقولاوس خطيب زويي.
بدأ الرفاق بالرقص والغناء، وفي لحظة من اللحظات وجدت زويي نفسها وحيدة من دون خطيبها، فاعتراها حزن شديد وغضب جنونيّ، إذ كانت تحبّ أن يكون خطيبها إلى جانبها في هذه الليلة لا سيّما وإنّه لم يعلمها عن سبب تأخيره المفاجئ. ومن دون أن تفكّر أخذت أيقونة القدّيس نيقولاوس العجائبيّ من على الجدار وهي تقول: “سآخذ هذا النيقولاوس لأرقص معه”. ذُعر رفاقها لهذا القول، وبدأوا يحذّرونها على عملها هذا قائلين لها بأنّه نوع من التجديف، ولكنّ زويي لم تلتفت إلى أقوالهم، بل راحت تستهزأ بإيمانهم “الحيّ” بالقدّيس قائلة: “إن كان القدّيس عجائبيًّا، كما يدّعون، وإن كان، فعلاً، موجودًا، فليعاقبني”. وبدأتْ بالرقص مع الأيقونة، وما إن قامت بدورتين حتّى حصل ضجيج مفاجئ في الغرفة، وزوبعة هوجاء أطاحت بالستائر، وضوء باهر يعمي أضاء كالبرق.
تحوّل الفرح إلى خوف، وهرب الجميع من الغرفة مذعورين، فقط زويي وقفت من دون حراك متسمّرة في مكانها وجامدة كالرخام مع أيقونة القدّيس نيقولاوس الملتصقة بصدرها.
وصل الأطبّاء بسرعة، ولكنّهم رغم محاولاتهم لم يستطيعوا إعادتها إلى رشدها. كلّ الحقن التي حاولوا حقنها بها تكسّرت عندما لمست جسدها الرخاميّ. أرادوا نقلها إلى المستشفى، لكنّهم عجزوا عن زحزتها من مكانها كما لو كانت قدماها مسمّرتين في الأرض. ولكن رغم كلّ هذا كان قلبها ينبض. بقيت زويي على قيد الحياة غير أنّها عادت غير قادرة على تناول الطعام أو الشراب.
صُعقت الأمّ عندما رأت ما حدث لابنتها، هرعت إلى الكنيسة تمرّغ أرضها بدموعها وهي تطلب من الله أن يغفر لابنتها إثمها، وأن يعيد إليها حيويّتها، ثمّ لجأت إلى أيقونة القدّيس نيقولاوس تطلب منه التدخّل لخلاص ابنتها من هذه الحالة الغريبة التي جرت لها. وبفعل صلاة الأمّ وتضرّعها الحارّ استعادت زويي وعيها، وأخذت تطلب هي الأخرى المغفرة من الله وقدّيسه بدموع غزيرة. لم تُشفَ زويي تمامًا، إذ كانت كلّ ليلة تملأ الدنيا صراخًا وعويلاً يجعلان الناس يتجمّعون حول منزلها وهم يتساءلون عن سبب هذا الصراخ المخيف.
كانت أمّها تركع إلى جانبها وهي تصلّي وتصلّي طالبة شفاعة القدّيس نيقولاوس، ولمّا أبلغوا كاهن الرعيّة بالحدث، قال: “صلّوا إلى الذي عاقبها، فهو الذي سيرحمها أيضًا”.
ومنذ ذلك الحين بدأ الأطبّاء يتناوبون على زيارتها للتأكّد من نبض قلبها الذي كان ينبض بشكل اعتيادي ومنتظم، كما زارها الكهنة محاولين نزع الأيقونة من يديّ زويي، ولكنّهم أخفقوا في محاولاتهم رغم الابتهالات الحارّة التي كانوا يرفعونها إلى الله وإلى القدّيس نيقولاوس.
بقيت زويي على هذه الحالة ثلاثة أشهر حتّى كان عيد البشارة حين دخل الغرفةَ شيخٌ ودود بلحية بيضاء كالثلج وهو يقول لزويي بابتسامة عذبة: “هل تعبت من الوقوف يا ابنتي؟ أتريدين، أيضًا، أن ترقصي معي وأنا شيخ جليل؟ لا تخافي”، ثمّ اختفى. وفي الليلة عينها صرخت زويي بصوت عال: “صلّوا صلّوا. لقد أتى وحلّني من وثاقي. نعم، لقد أتى”. ولمّا سألوها من تقصد، قال: “إنّه الشيخ الوقور، القدّيس نيقولاوس ذو اللحية البيضاء”.
وهكذا بدأت أعضاء زويي تلين، وتمكّن ذووها من نقلها إلى فراشها. ولمّا استفسروا منها كيف استطاعت أن تبقى من دون طعام 128 يومًا، قالت: “كان الشيخ يأتيني بالطعام، ويزوّدني بالقوة”.
ذهبت زويي يوم الفصح المجيد إلى الكنيسة حيث اعترف بخطاياها وتناولت القرابين المقدّسة، وفي اليوم الثالث من الفصح انتقلت إلى الربّ لتعيش الحياة الأبديّة رفقة القدّيسين في السماء.
يا قدّيس الله نيقولاوس تشفّع بنا