شفاء في السبت
الأب أنطوان ملكي
يوجد أكثر من أمر ينبغي ملاحظته في هذه القراءة الإنجيلية. بدايةً، نرى الرب يعمل في اليوم السابع الذي حدده هو بنفسه للراحة. فإذا به هو لا يرتاح فيما يطلب من الإنسان الراحة. هنا المسيح، مخلِّص الكل، لم يقدَّم صلاة لإبراء المرأة وإنما تمم الشفاء بسلطانه، شافيًا إيَّاها بكلمة وبلمسة يده. فكونه الرب الإله أعلن أنه يحمل القوَّة لخلاص البشر من أمراضهم. لقد قصد أن يفهم البشر مغزى سرّه. لو كان رئيس المجمع شخصًا فهيمًا كان يليق به أن يدرك من هو المخلِّص وكم هي عظمته من خلال معجزة عجيبة كهذه، لا أن يتفوه بجهل ولا أن يتّهم من نالوا الشفاء بكسر الناموس حسب التقليد الذي يمنع العمل في السبت. حسنًا دُعي رئيس المجمع مرائيًا، لأنه حمل مظهر حافظ الناموس، وأما قلبه فكان مخادعًا وحاسدًا. فما أربكه ليس كسر السبت بل مجد المسيح.
واضح أن الشفاء هو عمل، فهل يكسر الله السبت بإظهار محبَّته في السبت؟ لمن كانت الوصية بالامتناع عن العمل، ألله نفسه أم للبشر؟ يرى بعض آباء الكنيسة أنّه لو كان الله يتوقف عن العمل لتوقفت عنايته الإلهيَّة بنا في السبت، وتوقفت الشمس عن عملها وامتنعت الأمطار عن السقوط وجفت ينابيع المياه وتوقفت مجاري الأنهار، وصمتت الرياح. لقد أمر الله الناس أن بعدم العمل في السبت لكي يستريحوا. وهو يعطي راحة للبشر بتحريرهم من أمراضهم. من هنا أن اعتراض رئيس المجمع هو الكسر لشريعة السبت، إذ إنه اعترض على منح الراحة للمتألَّمين من الأمراض والأوجاع الذين ربطهم الشيطان. نقرأ في الكتاب المقدّس أن عمل الله مستمر بغير انقطاع: “أبى يعمل حتى الآن وأنا أيضًا أعمل” (يو 5: 17). لذا أننا على مثال الله نتوقف عن أعمال العالم لا عن أعمال الله.
أمر آخر نتوقّف عنده هو أنّ هذه المرأة تُفهم كرمزٍ للبشرية التي صارت مستقيمة وسليمة بواسطة الرب بعد أن انحنت بالضعف من خلال رباطات الشيطان لها. فالمسيح أخذ الطبيعة البشرية ليحطم الموت والدمار، وينزع الحسد الذي بثته الحيَّة القديمة ضدنا، هذه التي كانت العلة الأولى للشر. رمزية إشارة هذه المرأة إلى البشرية واضحة في دعوة الربّ لها “ابنة إبراهيم”. لم يسألها عن إيمانها كما فعل في الشفاءات الأخرى بل حلّها من مرضها لأنه أراد أن يظهر سلطانه.
من هنا أن البشر إذ تحني الخطايا رقابهم وتقيد أقدامهم فيعجزون عن رفع رؤوسهم. فالإنسان المريض بسبب مرضه ينحني ناظرًا إلى أسفل، متطلعًا إلى الأرض، ولا يقدر أن يتطلع إلي السماء إلاّ بمعونة الربّ. أمّا الله نفسه فبسلطانه يهب راحة للمربوطين بالخطيَّة ويقوّمهم ويرفعهم. الله حلّو بطبيعته، أما الخطأة فيرونه مرّاً، كما فعل رئيس المجمع.