الإعداد الزوجي: ملاحظات واقتراحات
الأب أنطوان ملكي
تعرّفت أنطاكية منذ سنوات على الإرشاد الزوجي بشكل منهجي منظّم. هذا لا يعني أنه لم يكن من إرشاد قبل ذلك، لكن المقصود أنّه منذ أن تأسس مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ في أبرشية جبل لبنان، ومن بعده مركز القديسين يواكيم وحنة للإعداد الزوجي في أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما، بات مطلوباً من المتقدمين إلى الزواج الالتحاق بعدد من الدورات التوجيهية قبل الاستحصال على إذن الزواج.
هذا المقال مبني على دراسةِ ما يرد على موقع كل من المركزين على الإنترنت، وتعليقات بعض الذين تابعوا الدورات في المركزين، وملاحظات مبنية على المراقبة والتقييم. هدف المقال المساهمة في تحسين أداءٍ صار موجوداً، خاصةً أن الجو العام من حوله إيجابي: فالمركزان يحظيان بدعم مطران الأبرشية، الكهنة المعلمون جدّيون وملتزمون، ردود فعل الشباب الذين يتابعون الدورات إيجابية إلى حد كبير، ويظهر هذا واضحاً في صفحة “تقييم لمقدار الاستفادة من خدمات المركز” على موقع مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ في أبرشية جبل لبنان.
بدايةً مع اسمَي المركزين، حيث لكل منهما وجهة نظره في الاستشفاع، لا بدّ من التوقّف عند اختصاص كلّ منهما، بحسب الاسم طبعاً. فمركز القديسين يواكيم وحنة هو للإعداد الزوجي بينما مركز القديس نيقولاوس هو للإرشاد. الإرشاد يمتّد في الزمن ما دام المؤمن حياً، بينما الإعداد ينتهي عند الحدث الذي يُعَدّ له. ما يظهر من موقعي المركزين أنّهما يقومان بخدمة الإعداد بشكل متشابه ويتبادلان الخبرات والتقييم، لكن ماذا عن الإرشاد ما بعد حَدَث الإكليل؟ قد يكون من المبكِر مطالبة القائمين على هذا العمل بالتمدد الآن، لكنه من الضروري أيضاً ألا يغفِلوا متابعة ما يبنون واستلحاق ما قد سبقهم وأن يخططوا له. لا يوجد أي بيان على أن أشخاصاً متزوجين عادوا إلى متابعة هذه الدورات، دون الجزم من غياب البيان بأن هذا لم يحدث.
واضح أن أهداف إيجاد المركزين هي الخدمة الرعائية والمساهمة في تهيئة البيوت المسيحية واستعادتها لبناء الكنائس الصغيرة المنيرة فيها. إلا إن مركز القديس نيقولاوس يضيف إلى الأهداف الانسجام مع [“الدليل الرعائي الى الأسرار” الصادر عن غبطة البطريرك الانطاكي بتاريخ 14 نيسان 1996 (المادة 136-2″)]. من جهة أخرى، يشترك المركزان بالتوضيح بأن أي إكليل في هاتين الأبرشيتين لا يتمّ من دون مرور العريسين في أحد المركزين. إن مجموعة هذه الأهداف تشكّل حافزاً كافياً لطرح خبرة هذين المركزين على المجمع المقدّس حتّى يُصار إلى إنشاء مراكز مماثلة في كل الأبرشيات وتُعمّم الفائدة والخبرة. فمع أن إذن الإكليل، أو حتّى إطلاق الحال، صار مرتبطاً بهذه الدورات، إلا إن غياب المعيارية في الممارسة يترك باب الإساءة إلى العلاقة بين الرعاة والرعية مفتوحاً. فهناك كثيرون يتساءلون لماذا لا يُطلَب من أبناء الأبرشيات الأخرى ما يُطلَب منهم. وغيرهم يظن أنه قد يتحايل على ما هو قائم بلجوئه إلى الإكليل في خارج هاتين الأبرشيتين.
تتشابه مواضيع المركزين حيث تتركّز حول أربعة محاور: الزواج الكنسيّ ولاهوته بين الواقع والسرّ، الأبعاد القانونيّة للزواج ومفهوم العائلة، الأبعاد النفسيّة والعاطفيّة والاجتماعيّة والجنسيّة للحياة الزوجيّة، الحوار الفعّال وحلّ الخلافات. إن تعرّف الشاب أو الفتاة المسيحيين إلى هذه التعاليم أمر ضروري بغض النظر عن اقتراب موعد زواجه أم لا. لا بل قد يكون من الأنفع لشبابنا الأرثوذكسي أن يتعرّفوا على هذا التعليم باكراً، حتّى متى جاء أوان الزواج يكون اختيارهم مبنياً على هذا التعليم فيتضاعف ثمره. من هنا أيضاً، ضروري جداً أن يُضاف محور يتوجّه إلى المتقدمات إلى الزواج من بنات الكنائس الأخرى. كثيرون لا يؤمنون بهذا الأمر، لكن مسحاً لأسماء أبنائنا وشفعائهم والصور المعلّقة في بيوتنا والأصنام التي تستقبلنا فيها، إضافة إلى أنماط الأصوام والنظريات حول وحدة الكنيسة وتوحيد العيد، هذا إذا غضضنا النظر عن أعداد أبنائنا الذين يخضعون للأول قربانة ويرسمون الصليب بشكل غير دقيق، كل هذه الأمور تشير إلى أن مجرد “أن يكون أحد الطرفين على الأقل أرثوذكسياً” (البند 119 في الدليل الرعائي إلى الأسرار) كلام يصحّ في القانون لكنه في الرعاية بحاجة إلى درس وتمحيص وتقييم. من هنا أن الإعداد والإرشاد الزوجيين يساهمان في التخفيف من آثار الزواج المختلط على العائلة والرعية والكنيسة، طبعاً مع التشديد على أن الدور الرئيسي في هذا الموضوع هو لكاهن الرعية كونه في نهاية المطاف المُطالَب بأرواح أبنائه.
من الأمور التي ينبغي التنويه بها هي تعاطي المركزين مع الحالات الخاصة، وهي كثيرة، والمغتربون منها بوجه التحديد. فتقديم الخدمة لهذه الحالات الذي يتطلّب جهداً إضافياً من القائمين على المركزين، إنما هو دليل على التزامهم الجدي وإيمانهم بما يقومون به.
وقبل الختام، لا بدّ من التوقّف عند المحاضرين الذين يُقَدّر جهدهم. يُلاحظ أن مركز القديس نيقولاوس يسمّيهم بينما لا يماثله في هذا مركز القديسين يواكيم وحنّة. ما يظهر من الأسماء المعروفة هو أن المحاضرين جميعاً من الآباء. وهنا لا بدّ من التساؤل: أليس هناك من علمانيين كفوئين للمساهمة في هذه الدورات؟ طبعاً لا يعني هذا السؤال اعتراضاً على ما هو قائم، لكننا نعرف أن هناك لاهوتيين ومربّين من العلمانيين الذين انشأوا بيوتاً مسيحية. أمّا الأهم فهو غياب السيّدات عن لوائح المعلّمين، وهو أمر ينبغي التوقّف عنده ودراسته. قد يكون هذا الأمر في بال القائمين على المركزين لكن ينبغي وضعه قيد التنفيذ.
ختاماً، لا بدّ من الملاحظة أن دور كاهن الرعية في عمل المركزين هو تقني بحت، حيث “يناقش العريس أمر زواجه مع كاهن رعيته” و”تناقش العروس أمر زواجها مع كاهن رعيتها” و”يُصار إلى تحرير شهادات العماد وإطلاق الحال”. فعمل كاهن الرعية محصور في مناقشة موعد الإكليل ومكانه وتحرير الشهادات. قد يكون الكاهن راغباً في المساهمة في عملية إعداد ابنه أو ابنته، لكن ما هو قائم قد يسهّل على هذا الابن او الابنة رفض تدخّل الكاهن بحجة أنهم عملوا ما عليهم من الدورات، وما سوف يقوله لهم قد سمعوه هناك.
في النهاية، بعد التعبير عن التقدير لكل الجهود القائمة وتمنّي الاستمرار مع التحسين، من المفيد إيراد المقترحات التالية:
– أن تُنقَل إلى مجمع الكنيسة الأنطاكية المقدّس خبرة مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ ومركز القديسين يواكيم وحنة للإعداد الزوجي، ليُصار إلى مناقشتها وتقييمها، وتعديلها إذا اقتضى الأمر، وتبنيها وتعميمها وتوحيدها في كل الأبرشيات والرعايا
– أن يُعمَل على فك ارتباط هذه الدورات بإذن الزواج، وذلك بأن تتمّ دعوة كل الشبّان والشابات الأرثوذكسيين عند بلوغهم الثامنة عشرة إلى الالتحاق بهذه الدورات، مما يساعدهم على تكوين خيارات أرثوذكسية ملتزمة متى بلغوا سنّ اختيار الشريك والتقدّم إلى الزواج، فيكون عندها كاهن الرعية مستعداً لاستقبالهم، ولتذكيرهم بما تعلّموه قبلاً ورعايتهم على هذا الأساس.
– أن تُعطى النساء دورهن في التعليم حتّى ولو اقتضى الأمر الفصل بين الجنسين في بعض المحاضرات. إلى هذا، وجود معلّمات يقدّم مثالاً حسناً وتطبيقاً عملياً لما يجري تعليمه في هذه الدورات.
– أن يُعطى الزواج المختلط حقّه من الاهتمام. هناك خبرات عند أرثوذكس أميركا والأقباط في هذا الإطار. الناس في الغرب أكثر صدقاً مع ذواتهم من الشرقيين، حتى الكهنة منهم. لهذا فالغربيون يتقبّلون ببساطة الدعوةَ إلى التعلّم حول الزواج المختلط. في الشرق، يكرر الناس ببغائياً “كلّنا مسيحيون”، لذا ينطوي الأمر على تحدٍّ يتطلّب طرحه شجاعة وصدقاً على كافة المستويات، من الأساقفة إلى العرسان مروراً بالرعاة من الكهنة. إنّ الحالة الرعائية في كنائس أنطاكية، المقيمة أقلّه، كما في بيوتها تستدعي أن يُعطى الزواج المختلَط جزءاً من دورات الإعداد الزوجي، فنسبة الزيجات المختلطة عالية جداً، حتّى أنها تتخطّى الخمسين في المئة في بعض الرعايا. من هنا، ضرورة إخضاع هذا الأمر للتقييم المتجرّد، بالاستناد إلى آراء الرعاة واستعمال وسائل العلم والإحصاء، والخروج منه ببرنامج عمل وخارطة طريق يؤديان إلى تحسين الوضع بما ينعم الله علينا جزاءً لجهود الصادقين ممن يعملون في حقله ويتطلعون إلى ثمار الروح.