الكآبة
الشيخ تريفن*
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
هناك أوقات نستسلم خلالها إلى ما يسمّى شيطان نصف النهار فنخضع للكآبة. هذا الاستسلام غالباً ما يتغذّى من عادة التذمّر المزمنة. نحن نتذمّر من صحتنا إلى درجة أن تتحوّل نقطة التركيز الأولى في حياتنا. الاهتمامات المادية تقودنا إلى التذمّر على ما ليس لدينا أو ما قد نخسره. قد نتحوّل بنظر الآخرين إلى “المتذمّر” ونجدهم يميلون نحو تلافينا. كون الإنسان متذمراً يقدّم العلف لشيطان نصف النهار ويقود إلى الاكتئاب.
بالطبع، الاكتئاب هو في بعض الأحيان شيءٌ من عدم التوازن الكيميائي الذي ينبغي التنبّه له وطلب اهتمام الطبيب. مع هذا، قد يكون حالة من تصوير الذات كصنم وعبادتها. نحن نتلافى العلاقة مع الله مركّزين على حاجاتنا الشخصية. بإهمالنا حاجات المحيطين بنا نبني جداراً حول مدينتنا الذاتية التي فيها معبد مكرّس للنفس. وكوننا وحدنا في مدينة الذات هذه، ننشغل بالتفكير بالسبب الذي يجعلنا نغرق نحو كآبة متزايدة العمق.
لكن متى قدّمنا ذواتنا في خدمة الآخرين، يتبخّر التركيز على الذات. في خدمة الآخرين، نستطيع مجدداً أن نرى محبة الله التي يُسبَر غورها. مع هذه الرؤية السماوية للمحبة، لا يبقى مكان لقلة الرجاء واليأس والقنوط. لقد وحّد الربّ طبيعتنا بطبيعته الإلهية، ونحن نتغيّر إلى الأبد. نحن نصير أبناء العليّ وتُغسَل خطايانا بدمه. أحزان هذا العالم وأحماله، إذا ما احتملناها في هذه الحياة، تقود إلى فرح لا يوصَف ولا يُعَبَّر عنه في الحياة الآتية.
عندما نضع ذواتنا جانباً ونرى جمال العالم من حولنا وصورة المسيح في قريبنا يمكننا أن نطرح اليأس والألم والكآبة ونُبيد شيطان نصف النهار. باستسلامنا للكآبة نمنح عدو نفوسنا القوة وحسْب، إذ ننسى أن قوة الظلام قد أبيدت عندما اقتحم ربنا الجحيم بنزوله ىإليه. الموت غُلب بالموت وقيامة السيد صارت قيامتنا.
* رئيس دير المخلّص الجزيل الرحمة، واشنطن.