الراهب يواكيم الكارياسي (1893-1988)
الراهب موسى الأثوسي
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
كان الشيخ يواكيم أثوسياً حقيقياً. لقد أحبّ والدة الإله، الجبل المقدس، تاريخه وآباءه الأثوسيين. لقد تميّز بتفانيه للأعمال والتعلّم والفضيلة. كان يتلافى الاهتمام والإسهاب، فكان راهباً منسياً متواضعاً وصالحاً. فقره منحه قلباً غنياً. كان يجد الخطأ دائماً عنده ولكنه لم يجد أبداً أي خطأ عند الآخرين.
وُلِد يوحنا بالاسيس سنة 1893، في قرية دافني من أعمال كالافريتا لأبوين ورعين، وكان الأكبر بين ثمانية إخوة. أولى كلماته كانت، بطريقة غريبة ولكن جميلة، “سوف أكون راهباً”. بعد تركه للمدرسة، عمل لفترة قصيرة في محل بقالة في باترا، وهناك صار قريباً وصديقاً للأب الروحي المعروف جرفاسيوس باراسكيفوبولوس (+1964).
انتقل من دافني كالافريتا إلى دافني أثوس في 1915. انتقل إلى إسقيط كافسوكاليفيا حيث أمضى عدّة أشهر مع أخوية الأب خاريتون (+1906) حيث كان يوجد راهبان من بلدته الأم هما خاريتون (+1930) وأثناسيوس (+1956). هناك في منزل الأكاثيستون (المديح) كان يخيّم الصمت والهدوء والصلاة والتوبة والفقر والبَرَكة. في 1916 انتقل إلى قلاية ميلاد والدة الإله التابع لدير الباندوكراتور (الضابط الكل) ويرتبط تقليدياً بالآباء الكوليفاذيين. هنا سيم راهباً على يد الشيخ أونوفريوس. عمل بجد لعشرة أعوام كان عزاؤه خلالها دراسته الليلية. مضى لفترة قصيرة إلى كساروكاليفو وهو بيت صغير من دون كنيسة في كافسوكاليفيا ومن ثمّ إلى قلاية القديس ديمتريوس في كاراسيا حيث عاش الحاج جرجي الشهير (+1886). صار عنده جماعة صغيرة من المريدين في قلاية الصليب المقدّس المجاورة. كتب عنه تلميذه الراهب أندرياس (+2004): “هادئ، لطيف وحلو في طرقه، ممتلئ من اللطف وكلماته مفعَمَة بالحكمة والتعليم والأمثال. لدرجة أنه يفوز بك، ويثير إعجابك ويحبسك بإشراق نفسه الروحي”.
في 1942، انتقل الشيخ يواكيم مع أخويته إلى قلاية القديسين الثيودورين (إيفيرون) وفي 1953 إلى قلاية البشارة (سيمونوبترا). أخيراً، في 1951، مضى إلى قلاية الصعود (فاتوبيذي) حيث بقي إلى انتقاله من هذه الحياة. وفي كل هذا، كان يرافقه تلميذه الوفي، الراهب ثيوذوروس، الموجود اليوم في دير كونستامونيتو.
لم يترك الجبل المقدس إلا ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث والسبعين التي قضاها هناك، وذاك لضرورة كبيرة ولوقت قصير. لم يزر قريته ابداً ولم يتواصل مع أي من أقربائه. أرسلت له أمه رسالة تأثر كثيراً لاستلامها، لكنه لم يقرأها كلها قبل أن يحرقها. كان يصلّي كل يوم: “أيها الرب يسوع المسيح ابن الله، كل ما هو غريب، كل ما هو غير قانوني، كل ما هو غير عادل وكل ما يضرّ بالنفس، اقتلعه بالطريقة التي تريد… لا تدعه يأخذ جهداً كبيراً مني إذا ما أعجبني. لا تتركه يثقل على نفسي”.
لقد أحب القراءة وكان يقول “الكتب أبقتني على الجبل”. لقد ارتبط روحياً بالشيوخ اليواصافيين والدانياليين والثومائين، جراسيموس (القديسة حنة الصغرى)، أندراوس وثيوذوسيوس (القديس بولس)، أثناسيوس الطبيب (اللافرا) أثناسيوس (إيفيرون)، يوسف الكهفي، آفلايوس (فانوريمينو)، ثيوكليتوس (ديونيسيو)، باييسيوس الآثوسي وآخرين. زاره الأب باييسيوس عندما كان تحت المرض الشديد وقال له: “أيها الشيخ يواكيم، أترغب فقط بإكليل الراهب؟ هاك إكليل الشهداء معه”.
رقد بالرب بسلام. جنّزه أسقف رودوستولوس خريسوستوموس ممثلاً البطريرك المسكوني ومعه عشرون كاهناً وخمسون راهباً.
كان يتكلّم دائماً بشغف مقدّس عن الحياة النسكية وبطولات الآباء الأثوسيين في الأيام الغابرة. ذاكرته كانت تدهش الناس. قبل عشرين عام، نشرنا قصصه الأثوسية الرائعة في كتاب بطلب من تلميذه الوفي ثيوذوروس.