ثمرة الصوم
القدّيس سمعان اللاهوتي الحديث
نقلتها عن اليونانية ماريا قبارة
من يخاف الله لا يحتقر قانون الصوم. إنّ الشيطان الخبيث يكره فعل الحسنات، ويذهب إلى كلّ مسيحي محاولاً ربطه بالكسل والإهمال وإقناعه باحتقار الصوم المقدّس.
يولّد الصوم الصالحات الروحيّة ويساهم في خلاصنا. ولهذا علينا ألاّ نسمع إلى عدو النفس، ولا نستسلم إلى شهوة النهم، ونحاول ألاّ نعيد أخطاءنا القديمة.
إنّ للصوم فوائدَ جمّة. إنّه طبيب النفوس. يهدّئ الغضب ويذلّل أهواء الجسد. يجلب الاستعداد لعمل الخير وينقّي الذهن ويحرّره من الأفكار الخبيثة. يروّض اللسان الجامح ويبعده عن الأقوال الكريهة غير الضرورية. يمنع أعيننا من متابعة الصور المضرّة والأمور العبثية.
يخفف الصوم رويداً- رويداً تراكمات الخطايا التي تغطي النفس. إنّ الصوم يبدّد ظلام نفوسنا كما أنّ الشمس تبدّد الضباب، وينقّي أعين نفوسنا ويكشف لنا شمس العدل؛ يسوع المسيح. يخفف الصوم المترافق مع الصلاة قساوة القلب ويعطينا التخشع والورع، فنجتاز عاصفة وهيجان الأهواء بسهولة بنعمة الله لنصل إلى ميناء الأمان.
هذا لا يمكنه أن يحدث في يوم أو في أسبوع، بل يحتاج إلى فضاء زمني مع تعب واجتهاد، ويعتمد على إرادة ورغبة كلّ إنسان للتخلص من الخطيئة، وعلى مقدار إيمانه وعمق توبته، وعلى حرارة الصلاة وتواترها.
من يبني حياته الروحيّة على أساس الصوم، فإنّ بناءه لن يتزعزع لأنّه يبنيه على صخرة صلبة. أما عندما تغرينا الأفكار الخبيثة والرغبات الجسدية لأهواء النفس، فهذه تهدم كلّ بناء الفضائل. إذاً فلنبنِ صرح حياتنا الروحية على أساس صلب ألا وهو الصوم.
صامَ يسوع المسيح 40 يوماً و40 ليلة قبل تنافسه مع الشيطان في الصحراء، ليسَ لأنه بحاجة إلى الصوم، فهو الإله الكليّ القدرة، بل لأنّه أراد أن يعلّمنا أن نتمثَّل به. فنحن البشر بحاجة إلى الصوم لنطرد الشرير عنّا. كان نضال يسوع المسيح ضدّ الشيطان مؤسسَاً على الصوم، فليكن جهادنا هكذا نحن أيضاً.
هناك الكثير من الوسائط الروحية التي تساعد الإنسان في ترتيب حياته الروحية، ولكن أهمها وأساسها هما الصوم والصلاة. كانت حنّة تعبد الله بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً فصارت عظيمة في عينيّ الله. وعندما أرسلت كنيسة أنطاكية بولس وبرنابا للخدمة صاموا وصلّوا. ويقول الربّ عن الشياطين أنّ: “هذا الجنس لا يخرج إلاّ بالصوم والصلاة”. إذاً فالصوم مقترنٌ بالصلاة ليكون مستجاباً لدى الله. وهذه دعوة لنا لكي نصوم عندما تحثنا الكنيسة على الصوم فتكون صلاتنا طاهرة مقدّسة مقبولة لدى الله.
يعطي الصوم أجنحة الاشتهاء الإلهي بالصلاة وتمجيد الربّ وتعلّم أقواله “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله” .فلنشبع ذواتنا يا إخوة من الأقوال الإلهية للكتاب المقدس وتعاليم الآباء القديسين.
يولّد الصوم أنبياء، ويجعل المشرّعين حكماء. هو كنـز صالح للنفس، ويحثّ على التقوى. إنّ كثرة الطعام تجرّ نوعًا من خيالات تشبه غيومًا سوداء تقطع إستنارات الذهن بالروح القدس. إن كان للملائكة طعام فما هو إلاّ الخبز كما يقول النبي: “أكل الإنسان خبز الملائكة” (مز25:77). لا اللحم، لا الخمر ولا شيء آخر يشتهيه ذوو محبة البطن.