هذا سؤال طرحه أحد المسيحيين على القديس برصنوفيوس الكبير في القرن السادس، وعليه قد أجاب: “في أي وقت، إذا قطع الإنسان إرادته في كل شيء واتّخذ قلباً متواضعاً وجعل الموت أمام عينيه، يمكن أن يخلص بنعمة الله، وحيثما كان لا يمتلكه الخوف، لأنّه “نسي ما هو وراء وامتدّ إلى ما هو أمام” (فيليبي 13:3). افعل هكذا وسوف تخلص بالله من دون أي حزن”.
وفي مكان آخر كتب: “أيها الأخ، مَن أراد أن يخلص وهو يتشوّق لأن يكون ابناً لله، فليكتسب الاتضاع والطاعة والامتثال والبساطة. أنت تسأل: “قل لي ما عليّ أن أفعل”. هذا جوابي وأنا كفيل بأنك لن تحترق بشهوات العدو. لأن التواضع سوف يحرق هذه الشهوات كما بالنار، والقلب المستنير بالمسيح سوف يفرح في سلامه الخاص”.
في رسالة مؤرخة في الثاني من كانون الثاني 1911، كتب الشيخ برصنوفيوس الذي في دير أوبتينا، سالكاً على خطى شفيعه: “مَن يخلص؟ مَن يصبر إلى المنتهى يخلص (متى 22:10)”.
أيضاً كتبت الراهبة أيلينا في سيرة هذا الشيخ المعنوَن “ذكريات الشيخ”: “في تلك الرحلة، أثناء أحد أحاديثنا، خلع الشيخ القبعة التي كان يرتديها في قلايته ووضعها علي: “دعيني أرى كيف سوف تبدو طفلتي كراهبة”. أخذت الأمر كمزحة إذ لم يكن عندي أي نية في الرهبنة. وفوق ذلك، في بداية معرفتي الشخصية بالشيخ سألته، إذا كان برأيه، بإمكاني أن أخلص في العالم، لأني لا أستطيع ولن أدخل الدير. أجاب الشيخ: “من الممكن الخلاص في العالم، لكن فقط كوني منتبهة! تخيلي هاوية وفي أسفلها يغلي تيار متدفق. من الماء تخرج بين الحين والآخر وحوش مرعبة تخرج رأسها وتفتح شدقيها واسعاً لتبتلع كل ما يقع في الماء. وأنت تعرفين أن عليك أن تعبري فوق هذه الهاوية، على عارضة قصيرة ورفيعة تمرّ فوقها.
أي رعب هو هذا! قد ينكسر العامود فجأة تحتك وقد يبدأ رأسك بالدوران وتقعين مباشرة بين فكي الوحوش الرهيبة. هل سوف تقطعينها بتأنٍّ؟ بمعونة الله بالطبع كلّ شيء ممكن لكنه مرهب. ثم فجأة يقول لكِ أحدهم: “أنظري إلى اليمين، على بعد خطوتين أو ثلاثة هناك جسر مبني على أساسات مركزة ذات دفاعات حديدية. لماذا تجرّبين الرب؟ لماذا تعرّضين حياتك للخطر؟ أليس العبور على السبيل الأكثر أماناً أكثر بساطة؟ أفهمتِني؟ الهاوية هي بحر الحياة الذي علينا أن نعبره جميعاً. العامود هو طريق العلماني، والجسر، المحمي من كل الجهات الثابت والقوي، هو الدير”.
فأجبتُ عندها: “إذا استحال عليّ الوصول إلى الجسر فبمعونة الله سوف أعبر على العامود.” فوافق الشيخ.
بهذا انتهى النقاش حول الرهبنة في ذلك الحين، وكانت مزحة الشيخ عن القلنسوة قد فاجأتني. لكن ينبغي أن أذكر أن بعد أربع سنوات ونصف صارت المزحة حقيقة.