الإنسان المأخوذ في الجَدَل يصير سيفاً مزدوج الحدّ ضد نفسه، من دون أن يعرف ذلك، مغرِّباً نفسه عن الملكوت. الإنسان المولّع بالجَدَل يسلّم نفسه عمداً إلى ملك أعدائه. حجته هي خيط صيد متداخل مع شيء من الصدق: الدفاع عن الحقيقة وتبرير الذات والدفاع عنها، وهذا ما يشدّه إلى ابتلاع صنارة الخطيئة. من ثمّ تسلبه أرواح الشر نفسه الفقيرة، بعد أن عقفته من لسانه وحلقه. نفسه المتعلّقة بالجدل ترتفع تارةً إلى فوق وتارةً تغرق إلى هاوية الخطيئة المشوّشة، وبهذا يُحكَم عليها مع الأرواح المطرودة من الملكوت.
الرجل الذي يحمل جرحاً عميقاً من التحجج الاستفزازي والتعسفي يؤوي في أعماق نفسه أفعى الخطيئة القديمة. إذا احتمل ضربات جداله بصمت أو أجاب باتضاع كبير يجعل هذه الأفعى بلا قوة، أو ربما يقتلها. لكن إن جادل بمرارة أو استكبار فهو يزيد من قوة الأفعى لتصبّ سمّاً أكبر في قلبه أو تبتلع أحشاءه من غير رحمة. باكتسابها القوة يومياً، تنتهي الأفعى بالتهام نيّة نفس الرجل المسكين وقدرتَه على تغيير أسلوب حياته. ومن ثمّ يسلك الرجل في الخطيئة ويموت عن الحق.
بالصلوات والدموع والتحرر من الأهواء، توسَّلْ إلى الله لأن يرسل لك معلّماً قديساً. ادرسْ أيضاً الكتب المقدسة، خاصةً كتابات الآباء القديسين العملية لكي تقارنها بما يعلّمه إياك معلّمك ومؤدّبك. وهكذا سوف ترى كما في مرآة إلى أي مدى تتطابق. احفظْ في أفكارك ما يتطابق مع الكتابات الإلهية. وبعد تأنٍّ حكيم ضعْ جانباً ما لا يتطابق حتّى لا تسقط في الخطيئة.
إن الازدياد من معرفة الله يقلّل الاهتمام بما عداها. بقدر ما يزداد الرجل معرفةً بالله يقلّ اهتمامه بالأمور الأخرى. ويزداد إدراكه لقلّة معرفته بالله وضوحاً. بقدر ما يشعّ الله لامعاً في نفس الإنسان يصير أكثر احتجاباً، وبقدر ما يحلّق الإنسان بحسّه فوق أحاسيسه تقلّ حاجته إلى الإحساس بالأمور الخارجية.