ليست معاينة الله من عالم العواطف، ولا من الحس البصري، بل هي الوحدة الوجودية واحتكاك الخليقة المخلوقة مع الكائن غير المخلوق، ليس مع جوهره أو مادته بل مع قواه الإلهية، على قياس الشخص الذي يشترك في المعاينة. عندما طلب موسى أن يرى الله لكونه تخيّل أن ذلك باستطاعته، سمع منه أن هذا مستحيل وليس له إلا أن يعجب برؤيته من الخلف، ما يعني قواه الإلهية وصفاته. كلّ مَن كان له أن يعاين الله يشهد بأن لا تشابه بين العالم المخلوق والكائن غير المخلوق وأنّه “من المستحيل تفسير الله والأكثر استحالة هو فهمه” (القديس غريغوريوس اللاهوتي).
كيف عاش الإنسان في الفردوس؟
كان الفردوس مكاناً إلهياً، مسكناً مناسباً للإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. لقد عاش الإنسان هناك في نعيم المواهب الإلهية التي أدرِجَت في جوهره. لقد تملّكه الشعور بأنّه أرفع من كلّ الكائنات البشرية ومضيفاً لها. لقد كان هادئاً وعاش من دون همّ ولا اهتمام ولا تسلّط على حياته. لم تكن أيّ حاجة تضغط عليه. لقد كان عنده مهمة وحيدة هي عمل الملائكة: أن يمجّد الله بشكل ثابت ومستمرّ. انغماسه الوحيد كان في الاشتراك في ملء المحبة الإلهية الكاملة. بحسب القديس يوحنا الدمشقي، “كان الإنسان يسكن في المكان الأسمى والفريد والأكثر جمالاً، وكان الله مساكناً له. لقد كان الله لباسه اللامع، وكان محاطاً بنعمته ومستمداً البهجة في ثمرة معاينته الأكثر عذوبة”. أيوجد أيّ حلم أسمى من الشعور الذي يتملكك عند إمساكِك بمَن تحبّ وخاصةً إذا كان محبوبك هو الله؟